التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما 29 ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا 30}

صفحة 1531 - الجزء 2

  {فَسَلِّمُوْا عَلَى أَنفُسِكُم} عن الحسن وعطاء والسدي وأبي علي والزجاج، وحسن ذلك؛ لأنهم أهل دين واحد، كالنفس الواحدة، وجرى مجرى قولهم: قَتَلَنَا وهو مِنَّا، وقيل: لا تقتلوا أي لا تهلكوا أنفسكم؛ أي: لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولا تتعرضوا المهالك عن أبي عبيدة، وقيل: لا تقتلوا أنفسكم في أكل مالكم بالباطل ولا غيره مما هو محرم عليكم، وقيل: لا تقتلوا في حال غضب وضجر عن أبي القاسم، وقيل: لا تقتلوا غيركم فَتُقتَلوا قصاصًا فتكونوا في حكم من قتل نفسه، وقيل: لا تقتلوا أنفسكم اعتقادًا أن فيه نفعًا كما يفعله أهل الهند «إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكم رَحِيمًا» قيل: رحيم بكم حيث كف بعضكم عن بعض بتحريم الدماء والأموال، قيل: حيث بين الحلال والحرام، وقيل: رحيم بكم في جميع ما يأمر وينهى «وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ» فيه أربعة أقوال:

  الأول: يعني المحرمات وما نهى عنه في هذه السورة من أولها إلى ههنا، وقيل: من قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} لأن ما قبله مقرون بالوعيد، وقيل: هو في أكل المال بالباطل وقتل النفس بغير حق، فألحق الوعيد بكل واحد من الخصلتين عن الأصم، وقيل: هو من قتل النفس خاصة، عن عطاء «عُدْوَانًا وَظُلْمًا» قيل: هما واحد، وأتى بهما لاختلاف اللفظين، قال الشاعر:

  وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا

  وقيل: عدوانًا على غيره وظلمًا على نفسه، وقيل: يعتدي في أمر اللَّه ويظلم عباده، وقيل: الآية في المستحلين، وقيل: فيمن فعل ذلك مستحلاً كان أو غير مستحل «فسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا» أي نجعل له صلاء النار ونحرقه «وَكَانَ ذَلِكَ» يعني إنجاز الوعيد، وتعذيب العصاة «عَلَى اللَّه يَسِيرًا» سهلاً غير متعذر عليه، ولا يقدر أحد على الامتناع منه ولا الهرب، وقيل: لأنه لا يخاف تبعة فيه.