التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما 32}

صفحة 1535 - الجزء 2

  وتدل على أنه إذا لم تجتنب الكبائر يعاقب عليها، فلهذا قلنا: الكافر والفاسق يعاقب على جميع ذنوبهم.

  والكلام في ذلك يشتمل على فصول:

  منها: ما الصغير وما الكبير، وقد بينا ما قيل فيه، وعندنا: الكبير: ما يكبر عقابه عن ثواب صاحبه، والصغير ما يصغر عقابه عن ثواب صاحبه.

  ومنها: عقاب الصغائر، واختلفوا فيه، فقيل: لا يعاقب عليها في الدنيا ويعاقب عليها في الآخرة، وقيل: يجوز أن يعاقب عليها في الدارين، ولكن وعد أن لا يعاقب، وقيل: يزول عقابه بالشفاعة، وعندنا لا يجوز أن يعاقب عليها ألبتة لأنها تصير مكفرة.

  ومنها: كيف يكفِّر؟ بينا أن عند أبي علي بالإحباط، وعند أبي هاشم بالموازنة، وهو الصحيح.

  ومنها: معرفة أعيان الصغائر، وقد بينا ما قيل فيه، وعندنا لا يجوز تعريف الصغائر، ويجوز تعريف الكبائر والوعيد يتعلق بهما، والعمد قد يقع صغيرًا، فكل معصية فيها حد أو لعن أو ذم عظيم أو دل دليل أنها كبيرة حكمنا به وما عداه جوزنا الوجهين، فأما قدر المال الذي يكون غصبه كبيرًا، فقيل: خمسة عن أبي علي اعتبارا بمانع الزكاة. وقيل: عشرة عن أبي هاشم اعتبارًا بقطع السارق، وما دونه يجوز أن يكون صغيرًا، ويجوز أن يكون كبيرًا.

  ومنها: الدليل الذي يعلم به كون الذنب كبيرًا، فهو: القرآن، والسنة المتواترة، والإجماع، أو العقل، ولا مدخل لأخبار الآحاد فيه؛ لأن ذلك من باب العلم.

قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ٣٢}