التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا 34}

صفحة 1546 - الجزء 2

  تطيقون، فكذلك لا تكلفوهن ما لا يطقن، وقيل: إنه عَلِيّ قادر إن ظلمتوهن يعاقبكم ويأخذ بحقهن عن أبي مسلم، وقيل: هو مع علوه وكبريائه لا يؤاخذ كل من عصاه، وإذا تاب غفر له، فأنتم أولى بذلك، فإذا رجعت المرأة إلى طاعتكم فلا تعاقبوها ولا تؤاخذوها بكل شيء عن الأصم، وقيل: هو مع علوه حكم بالاقتصار على الظاهر، والزوج أولى بذلك، فإذا صلح ظاهرها كفى عند القاضي.

  · الأحكام: تدل الآية على بيان الحكم وعلته، فالحكم: أن الرجال هم القوامون على النساء، والعلة هو: لما فضل اللَّه الرجال عليهن، وهذا وإن كان لفظه لفظ الخبر فمعناه التعبد.

  وتدل على أن الواجب على النساء عند غيبة الزوج حفظ نفسها وماله، فحفظ النفس: ألا يراها أجنبي، ولا تخرج من بيته، وحفظ ماله: ألا تنفق إلا فيما شرع الشرع.

  وتدل على أن عند العصيان يبدأ بالعظة، ثم بالهجران، وهكذا في كل من يأمر بمعروف، يبتدئ بالعظة الحسنة، فإن لم يَكْفِ تَعَدَّى إلى غيره، وتدل على أن له ضربها إذا لم تصلح بالعظة والهجران، ولا خلاف أن هذا الضرب يجب أن يكون غير مبرح، وروي أنه لما رفع إلى النبي ÷ أن رجلاً لطم امرأته، فأمر بالقصاص، وكان يَوْمَئِذٍ القصاص في الشجة واللطمة فنزلت الآية، وأزال القصاص، فقال، ÷: «أردنا أمرًا وأراد اللَّه غيره»، وإنما أزال القصاص لأحد وجهين: إما لأن لطمها كان تأديبًا، أو لأن ضربها عند النشوز مباح، فصار ذلك شبهة في رد القصاص، وهذا الضرب موكول إلى اجتهاده، وكذلك الهجر.

  وتدل على طريقتنا في النهي عن المنكر أنه يترتب، يبدأ بالقول والعظة، ثم باليد والضرب، ثم بالقتال، فإذا أمكن إزالته بالأيسر لا يتعداه ولا يتخطى إلى ما فوقه، كما رتب اللَّه تعالى ههنا.