التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا 34}

صفحة 1545 - الجزء 2

  عليهن أن يحفظنه من أمره ووصيته، وقيل: إنما صرن حافظات للغيب بحفظ اللَّه إياهن باللطف والتوفيق عن أبي علي، ثم بين القسم الآخر فقال: «وَاللَّاِتِي تَخَافُونَ» يعني من النساء، وتخافون يعني تخشون، وقيل: تعلمون، وقد يوضع الخوف موضع العلم، وقيل: تظنون، قال الشاعر:

  أَتَاني كَلامٌ عَنْ نُصَيبٍ يَقُوُلُهُ ... وَمَا خِفْتُ يا سلامُ أَّنكَ عَائِبي

  يعني ما ظننت عن الفراء، وقال محمد بن كعب: تخافون نشوزهن لعلمكم بالأحوال المؤدية به «نُشُوزَهُنَّ» قيل: عصيان الزوج عن ابن عباس وعطاء والسدي وابن زيد، وقيل: استعلاءَهُن على الأزواج والبغض لهم، وقيل: الاستخفاف بحقه، وقيل: النشوز ألَّا تجيبه إلى فراشه، وتخرج بغير إذنه، وتُدخل منزله مَنْ يكرهه «فَعِظُوهُنَّ» أي ذكروهن بِاللَّهِ وخوفوهن وعيده، وقيل: عظوهن بكتاب اللَّه وما أوجب من طاعة الأزواج، ويقول: انتهِي عما أنت فيه. فأمر عند عصيانهن بالأمر بالوجه الجميل والعظة الحسنة، ثم بالهجر إن لم ترتدع، فقال: «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ» قيل: هجر الكلام عن ابن عباس وعكرمة والضحاك والسدي، وقيل: هجر الجماع عن سعيد بن جبير، وقيل: هجر المضاجعة عن مجاهد والشعبي وإبراهيم، وقيل: يرقد عندها ويوليها ظهره ولا يكلمها، وقيل: اربطوهن بالهجار وهي الحبل، وهذا تعسف لا يجوز حمل كلامه تعالى على مثله، فإن أبين مراجعة الحق فاضربوهن ضربًا غير مبرح ولا شائن ولا كاسر عظما ولا خادش جلدًا، وقيل: لا تديموا الضرب عليها «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ» رجعن إلى طاعتكم في الائتمار لأمركم وفيما وجب عليهن من حقكم «فَلاَ تَبْغُوا» لا تطلبوا «عَلَيهِنَّ سَبِيلاً» قيل: عللاً بالباطل وتجنبًا للذنوب، وقيل: سبيلاً إلى ما لا يحل لكم منهن مما أبيح عند النشوز عن أبي علي، وقيل: سبيلاً للضرب والهجران عن أبي مسلم، وقيل: لا تكلفوهن الحب عن سفيان بن عيينة، وقيل: إذا استقام ظاهرها فلا يتعللن عليها بما في باطنها، ذكره القاضي «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» يعني لا تبغوا عليهن إذا أطعنكم لعلو أيديكم، فإن اللَّه أعلى منكم وأكبر من كل شيء، وهو متعال أن يكلف إلا الحق، وقيل: هو مع علوه وكبريائه لم يكلفكم إلا ما