التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما 39 إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما 40}

صفحة 1560 - الجزء 2

  اللَّه لاَ يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ» يعني لا ينقص أحدًا عن جزاء عمله شيئًا وإن قَلَّ، وقيل: لو أنفقوا في سبيل اللَّه لما ضاع منه مثقال ذرة، وقيل: مثقال ذرة: النملة الحمراء الصغيرة التي لا تكاد تُرى عن ابن عباس وابن زيد، وهي أصغر النمل، وقيل: هو أجزاء الهباء في الكوة كل جزء منها ذرة، وقيل: هو الخردلة، وإنما ذكر ذلك مثلاً، يعني إذا لم يظلم بذلك القدر مع أنه لا يظهر حاله فكيف بأكثر منه، وقيل: لا ينقص من حق مظلوم مثقال ذرة ولا يبقي على ظالم مقداره حتى يستوفي القصاص تامًا، وقيل: لا يحمل على عبد ما لم يعمل من الذنوب مثقال ذرة «وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً» أي وكان فعله حسنة أي عبادة وطاعة «يُضاعفْهَا» قيل: يجعلها أضعافًا كثيرة، ويضعفها يجعلها ضعفين عن أبي عبيدة، وقيل: يضاعفها السرور واللذات التي يؤتيها عباده، وقيل: يديمها ولا يقطعها، وقيل: لا يكون مقدار ذرة حسنة لمؤمن إلا ضاعفها، ولا لكافر إلا خفف من عقابه «وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنهُ» أي يعطيه من عنده «أَجْرًا عَظِيمًا» وهو ثواب الجنة.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الواجب الإيمان والإنفاق في سبيل اللَّه وأنه يستحق الجزاء عليهما.

  وتدل على أن الكفار ممكنون من الإيمان؛ لأنه لا يجوز أن يقال توبيخًا عليهم: «وَمَاذَا عَلَيهِمْ» وهم غير قادرين أو مضطرين، فيبطل بذلك قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والاستطاعة والإرادة وتدل على أن الرزق لا يكون إلا حلالاً من حيث حث على إنفاقه، وإنفاق الحرام محظور.

  وتدل على أن في المال حقوقًا لازمة كلزوم الإيمان كالزكاة ونحوها.