التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا 41 يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا 42}

صفحة 1564 - الجزء 2

  وقوله: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا} يعني في الدنيا عن أبي علي وهو الصحيح؛ لأن الآخرة لا يجوز أن يكذب فيه أحد وسنبين ذلك عند تلك الآية.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الأنبياء يشهدون على أممهم بأعمالهم، وفيه فوائد:

  أحدها: زيادة حسرة للمقصرين وسرور المؤمنين، ولذلك تمنى الكافر عند هذه الشهادة لو تسوى بهم الأرض.

  وثانيها: لما يظهر عند الخلائق أنه تعالى يجازي كل أحد بعمله وأنه لا يظلم أحدًا فيفتضح عند ذلك الْمُجْبِرَة في افترائها على اللَّه تعالى.

  وثالثها: أن تصور هذه الحالة لطفا عظيما للمكلفين في الإقدام على الطاعات والانتهاء عن المعاصي، وقد روي أن النبي، ÷ «أمر ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، فقرأ سورة النساء، فلما بلغ هذه الآية اشتد بكاؤه، وقال: حسبنا» فقطع القراءة، ويحتمل أن بكاءه كان شكرًا لله تعالى على هذا المحل الشريف، ويحتمل أنه كان إشفاقًا على المقصرين من أمته من حيث يلحقهم عند شهادته من الحسرة العظيمة والعذاب الأليم.

  وتدل على أن في كل أمة شهيدًا يشهد عليهم، ثم ذلك الشهيد يكون نبيًا أو غير نبي يقف على دليل سمعي؛ لأن الظاهر لا يدل عليه، وكلا الوجهين يجوز عقلا ولا حجة فيه للإمامية أنه لا بد في كل زمان من معصوم؛ لأنه ليس من شرط الشهادة العصمة، ولو تأوله متأول على الملائكة أو على المؤمنين لم يبعد، وإنما حملنا «بك» على النبي ÷ للإشارة إليه، على أن عند أبي علي لا بد في كل عصر من قوم يقومون بالحق، وإن كان ذلك عندنا ليس بشرط.

  وتدل على وعيد أهل الصلاة؛ لأنهم عصوا الرسول.

  وتدل على أن أهل النار يقع منهم من التمني ما لا يصلون إليه، وتدل على أن كل مذنب يعترف بذنبه يوم القيامة.