التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا 41 يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا 42}

صفحة 1563 - الجزء 2

  بهم مع الأرض فصاروا ترابًا مثلها، وقيل: يتمنون أن لو تخرقت الأرض فساخوا فيها وعادوا إليها كما خرجوا منها عن قتادة وأبي عبيدة، وقيل: ودوا أن يكونوا أمواتًا أبدًا لم يبعثوا؛ لأنهم كانوا قبل البعث الأرض مستوية بهم عن الأصم وأبي مسلم، وقيل: ودوا لو كانوا أرضًا لم يحيوا ولم يخلقوا، وقيل: ودوا لو جعلت الأرض وما فيها فدية لهم، واختلفوا لِمَ تمنوا هذا؟ فقيل: لعلمهم بما يصيرون إليه من العذاب الدائم، وقيل: لشدة الحساب، وقيل: لَمَّا رأوا أن البهائم صاروا ترابًا تمنوا أن يصيروا مثلها، وأنكر هذا بعضهم لما فيه من إبطال الأعواض، وبنوه على الأصل لهم، وهو دوام العوض، فأما من يقول: إنه منقطع فإذا أوصل إليهم ما وجب لهم جاز أن يفنيهم، والصحيح أنها منقطعة، وهو الصحيح من مذهب الشيخين والقاضي «وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا» قيل: إنه يتصل بما قبله أي ودوا لو تسوى بهم الأرض وأنهم لم يكونوا كتموا أمر محمد ÷ ولا بعثته عن عطاء، وقيل: بل هو كلام مستأنف يعني لا يكتمون اللَّه يوم القيامة شيئًا؛ لأن ما عملوه لا يخفى على اللَّه تعالى فكيف يكتمونه؟! عن أبي علي، وقيل: لا يكتمون؛ لأن جوارحهم تشهد عليهم وتنطق بأعمالهم، وقيل: لا يكتمون شيئًا في الدنيا؛ لأنه تعالى مطلع عليهم عن أبي علي.

  ويقال: كيف التوفيق بين هذه الآية وبين قوله: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشركِينَ

  قلنا: فيه أربعة أقوال:

  الأول: أن في الآخرة مواطن ومقامات، ففي موطن لا تسمع إلا همسا، وفي موطن يَكْذِبون، ويقولون: واللَّه ربنا ما كنا مشركين، وفي موضع يعترفون ويسألون الرجعة عن الحسن.

  الثاني: (ولا يكتمون) داخل في التمني بعد ما نطقت جوارحهم لفضيحتهم عن ابن عباس.

  الثالث: لا يعتد بكتمانهم؛ لأنه ظاهر عند اللَّه تعالى.

  الرابع: أنهم لم يقصدوا الكتمان وإنما أخبروا على حسب ما توهموا تقديره: واللَّه ما كنا مشركين عند أنفسنا بل كنا مصيبين في ظنوننا حتى تحققنا الآن.