التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا 43}

صفحة 1573 - الجزء 2

  أما الأول فالمريض والمسافر، وقد بينا، فأما المسافر إذا خاف البرد ووجد الماء فإنه يتيمم، وفي المصر أيضًا عند أبي حنيفة، وقال صاحباه: لا يجوز، والمحبوس في المصر إذا لم يجد ماء تيمم.

  وأما الثاني: فقال أبو حنيفة: كل ما كان من جنس الأرض، وقال مالك: بالأرض وبما اتصل بها من الشجرة، وقال الأوزاعي والثوري: بالأرض وما عليها كالثلج والجمد، قال أبو يوسف: التراب والرمل، وبه قال الشافعي.

  وأما الثالث: فقد بينا أنه كم ضربة إلى أي موضع، وذكرنا الخلاف فيه، ولا خلاف أنه يعتبر النية فيه، وهل يشترط استعمال التراب عند أبي حنيفة ليس بشرط، وقال الشافعي: شرط، واختلفوا في الاستيعاب، وعن أبي حنيفة فيه روايتان، وللشافعي قولان.

  وأما الرابع: فاتفقوا أنه يجوز التيمم للصلاة إذا لم يجد الماء، ولا يجوز مع وجوده، واختلفوا في صلاة الجنازة والعيد، فعند مشايخنا يجوز مع وجود الماء؛ لأنه أوقات لا تقضى، وقال الشافعي: لا يجوز واختلفوا، فقال أبو حنيفة: يجوز قبل الوقت، وقال مالك والشافعي: لا يجوز.

  وأما الخامس: فإذا تيمم يصلي ما شاء من الفرائض والنوافل، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والثوري، وقال الشافعي: يجب لكل صلاة، ويروى ذلك عن علي وابن عمر والشعبي وقتادة، وهل يجب طلب الماء، قال أبو حنيفة: لا، وقال الشافعي: نعم. وإن وجد ما يكفي لبعض أعضائه، قال أبو حنيفة: لا يتوضأ به ويتيمم، وقال الشافعي: يلزمه استعماله ثم يتيمم، واختلفوا فقيل: يجوز للمتيمم أن يؤم المتوضئين عن أبي حنيفة، وقيل: لا يجوز عن محمد.

  فاما السادس: فكل حدث ينقض الوضوء ينقض التيمم، ورؤية الماء ينقض التيمم، فإن تيمم ثم وجد الماء فهو على أربعة أوجه: قبل الشروع في الصلاة يتوضأ ويصلي وينتقض تيممه بالاتفاق، وبعد الشروع فيها ينتقض عند أبي حنيفة خلافًا للشافعي، وبعد الخروج من الصلاة في الوقت لا يعيد عند الفقهاء، وقالت الزيدية: يعيد، وبعد الوقت لا يعيد بالاتفاق، وإذا كان المتيمم إمامًا وخلفه متوضئون فرأى واحدٌ الماءَ، قال أبو حنيفة: تبطل صلاته، وقال أبو يوسف: لا تبطل.