التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما 56 والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا 57}

صفحة 1600 - الجزء 2

  في الحقيقة غيرها عن قتادة وجماعة من المفسرين وهو الأوجه، ولا يقال: إن الجلد المجدد لم يذنب، فكيف يعذب؟! وذلك لأن المعذب هو الحي، فلا اعتبار بالأطراف والجلود.

  الثاني: أنها تجدد بأن يزيل ما بها من الاحتراق، ويعيدها إلى ما كان، وقد يقال في مثله غَيَّرَ وبدل عن الحسن وأبي علي وأبي مسلم، قال القاضي: وهذا أقرب الوجوه، وقوى أبو علي ذلك بأنه لو أعاد جلدًا آخر لعظم جسم المعاقب على مرور الأوقات، وهذا لا يلزم لجواز أن يزيد شيئًا وينقص مثله، فلا يؤدي إلى ما قال.

  الثالث: أن التبديل إنما هو للسراويل، وسميت بذلك للزومهم جلود هم على المجاورة، وهذا تَرْك للظاهر من غير دليل.

  الرابع: أنه يبدل الجلود من لحم الكافر، فيخرج من لحمه جلدًا آخر عن السدي، وعن الحسن: ينضحهم في اليوم سبعين ألف مرة، وعن معاذ أنه كان عند عمر فقرأ وجل الآية، فقال معاذ: يبدل في ساعة مائة مرة، فقال عمر: هكذا سمعت رسول اللَّه ÷ يقول.

  «لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ» ليجدوا ألم العذاب، وإنما سماه ذوقًا؛ لأن أجسامهم تتجدد في كل وقت كإحساس الذائق في تجديد الوجدان من غير نقصان في الإحساس، وقيل: ليذوقوا العذاب بتبديل جلودهم، أي ليكونوا بتجديد جلودهم يزيدهم عذابًا عن الأصم «إِنَّ اللَّهَ كانَ» أدخل (كان) لينبه أنه على تلك الصفة لم يزل «عَزِيزًا» قيل: قادر لا يمتنع عليه إنجاز جميع ما أوعد، حكيم في وعيده يضعه مواضعه ولا يخلف ذلك، وقيل: قادر على تجديد جلودهم حكيم فيها، وقيل: قادر على عذابهم حكيم فيما فعل بهم من عذابه. «وَالَّذِينَ آمَنُوا» صدقوا اللَّه ورسوله «وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ» يعني الأعمال الصالحة مما يتقرب بها إلى اللَّه «سَنُدْخِلُهُم جَنَّاتٍ» بساتين «تَجْرِي مِنْ تحتِهَا الأَنهَارُ» أي ماء الأنهار «خَالِدينَ فِيهَا» دائمين فيها «أبدًا» ذكر «أبدًا» للتأكيد لهم، يعني للذين آمنوا «لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ» أي طَهُرَتْ من الحيض والنفاس وجميع الأقذار «وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا» قيل: كنينًا؛ لأنه لا شمس فيه ولا سَموم، قال الحسن: ربما كان ظِلّ ليس بظليل يدخله الحر والشمس، فلذلك وصف ظل الجنة بأنه ظليل، وقيل: ظلاً دائما لا تنسخه الشمس، كما في الدنيا، وقيل: الظليل: القوي المتمكن،