قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا 60 وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا 61}
  · المعنى: لما أمر اللَّه تعالى أولي الأمر بالحكم بقضية الإسلام، وأمر المسلمين بطاعة أولي الأمر اتصل بذكر المنافقين الذين لا يرضون بحكم اللَّه وحكم رسوله، وتحاكموا إلى الطاغوت فقال سبحانه: «أَلَمْ تَرَ» تعجيب منه تعالى لنبيه، أي ألم تتعجب من صنعهم، وقيل: ألم تعلم، وقيل: ألم ينته علمك إلى هَؤُلَاءِ «يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ» من القرآن والدين «وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» من الكتاب، وهم المنافقون «يُرِيدُونَ أَنْ يَتحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ» وقيل: كاهن تحاكم إليه المنافق واليهودي عن الشعبي وقتادة، وقال السدي: اسمه أبو بردة الأسلمي، وقد بينا القصة فيه، وقيل: كعب بن الأشرف رجل من اليهود عن ابن عباس ومجاهد والربيع والضحاك، وقيل: هَؤُلَاءِ الأوثان احتكموا إليها بضرب القداح عن الحسن وأبي علي، وقيل: حيي بن أخطب، وقيل: هم الكفرة عن أبي مسلم «وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكفُرُوا بِهِ» يعني أمرهم اللَّه أن يكذبوا ما جاء به الطاغوت، فبين اللَّه تعالى أن باطنهم خلاف ظاهرهم، وإن كانوا مؤمنين لما احتكموا إلى الطاغوت الذي أمرهم اللَّه بجحده «وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ» قيل: الطاغوت الذي يتحاكَمان إليه إضلالهم عن الحق والدين «ضَلالاً بَعِيدًا» عن الحق، وقيل: يريد الشيطان بما زين لهم أن يجوروا عن الحق جورًا لا يرجعون إليه أبدًا «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ» يعني المنافقين، فالقائل لهم قيل: رجل مسلم دعا المنافق إلى حكم الرسول عن ابن جريج، وقيل: القائل هم المؤمنون، قالوا: هلموا إلى حكم اللَّه وحكم رسوله، وقيل: بل هو يهودي دعا المنافق إلى حكم الرسول؛ لعلمه أنه لا يجور عن قتادة «رَأَيْتَ» يا محمد «الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ» قيل: يمتنعون، ويعرضون عن المصير إليك، وقيل: يمنعون غيرهم عن المصير إليك.
  ومتى قيل: لماذا صد المنافق مع علمه بأنه لا يجور ولا يميل؟
  قلنا: قيل: لهذا لما علم أنه لا يأخذ الرِّشَا، ولا يميل في الحكم، ويقضي بالحق، وعلم أن الحكم يتوجه عليه فلهذا صد، وقيل: لعداوتهم له، وبغضهم لدينه «عَنْكَ» يا محمد «صُدُودًا» إعراضًا ومنعًا، فيمتنعون ويمنعون غيرهم.