قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا 60 وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا 61}
  وقيل: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فقال اليهودي:
  أحاكمك إلى محمد، فقال المنافق: لا، وجعل اليهودي يدعو إلى المسلمين لعلمه بأنهم لا يقبلون الرِّشَا، ولا يقضون إلا بالحق، وجعل المنافق يدعو إلى اليهود؛ لأنهم يقبلون الرشوة، ويميلون في الحكم، فاتفقا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة، فأنزل اللَّه تعالى فيهم هذه الآية عن الشعبي.
  وقيل: نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي:
  انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف، وكان يسمى الطاغوت، وأبى اليهودي، فأتيا رسول اللَّه ÷ فقضى لليهودي، فلما خرجا قال: لا أرضى، وأتيا عمر وقصَّا عليه القصة، فقال عمر للمنافق: أكذلك هو؟ قال: نعم، فقال: رويدكما حتى أخرج، فدخل بيته فأخذ سيفه وخرج وقتل المنافق، وقال: هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء رسول اللَّه ÷، فاجتمع قومه وشكوا إلى رسول اللَّه ÷ ما صنع عمر، فقال له: «لم قتلته»؟ قال: لأنه لم يرض بقضائك ونزلت الآية، وقال جبريل: إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمي يومئذ الفاروق عن ابن عباس.
  وقيل: أسلم ناس من اليهود ونافق بعضهم، وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل قرظي نضيريًا قُتل به وأخذ منه ديته مائة وسق من تمر، وإذا قتل نضيري قريظيًا لم يقتل به، وأعطى ديته ستين وسقًا من تمر، فكانت النضير أشرف، وهم حلفاء للأوس، وقريظة حلفاء الخزرج، فلما هاجر رسول اللَّه ÷ إلى المدينة، قتل نضيري قريظيًا، فاختصما فيه، فقالت بنو النضير: لا قصاص علينا، وإنما علينا ستون وسقًا من تمر على ما اصطلحنا عليه، وقالت الخزرج: هذا حكم الجاهلية ونحن وأنتم اليوم إخوة، وديننا واحد فلا فضل بيننا، وأبى النضير ذلك، فقال المنافقون: انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي، وقال المسلمون: بل إلى رسول اللَّه ÷، فأبى المنافقون فانطلقوا إلى الكاهن ليحكم بينهم، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية، ودعا النبي ÷ الكاهن إلى الإسلام فأسلم عن السدي.