قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا 77}
  ألا تتعجب من هَؤُلَاءِ؟ وقيل: ألم ينته علمك إليهم «إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ» قيل: القائل رسول اللَّه، ومَنْ قيل لهم أصحابه من المؤمنين، وقيل: بل من المنافقين «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» أي أمسكوا عن قتال الكفار، وهذا كان بمكة فإني لم أوذن في قتالهم «وَأَقِيمُؤا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ» فرض «عَلَيهِمُ الْقِتَالُ» وهم بالمدينة بعد الهجرة «إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ» جماعة «يَخْشَونَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّه» قيل: هو من صفة المؤمنين لما طبع عليه البشر من المخافة لا على كراهة المحاربة عن الحسن، وقيل: هو من صفة المنافقين؛ لأنهم كانوا على ذلك حرصًا على الدنيا والبقاء فيها والاستكثار منها عن أبي علي، وقيل: معناه يخشون القتل من قبل المشركين كما يخشون الموت من قبل اللَّه تعالى «أَوْ أشد خَشْيَةً» أي خوفهم من القتل أكثر «وَقَالُوا» يعني هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يخشون القتال «رَبَّنَا لِمَ كتَبْتَ عَلَينَا الْقِتَالَ» أي لم فرضت الجهاد علينا ركونًا منهم إلى الدنيا وحرصًا على البقاء «لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا» أي هلا أخرتنا «إِلَى أَجَلٍ قَرِيب» مدة قريبة، يعني الموت، وأراد هلا تركتنا فنموت بآجالنا «قُلْ» يا محمد «مَتَاعُ الدُّنيَا قَلِيلٌ» منافع الدنيا وما يستمتع بها، وقيل: عيشكم الذي تتمتعون بها أيها القاعدون عن الجهاد قليل لا يبقى ولا بد من الفناء «وَالآخِرَةُ خَيرٌ» يعني نعمه وثوابه خير «لِمَنِ اتَّقَى» معاصيه «وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً» يعني لا يظلم اللَّه أحدًا شيئًا، وفتيلا قيل: ما تفتله بين أصابعك ثم ترميه احتقارًا عن ابن عباس، وقيل: ما في شق النواة عن أبي علي؛ وذلك لأنه يكون في شق النواة كالخيط المفتول.
  · الأحكام: تدل الآية على أنهم لم يكونوا متعبدين بالجهاد في ابتداء الإسلام، بل أمروا بكف الأيدي وإقامة الشرائع.
  وتدل على أن الصلاة والزكاة كانت واجبة في الابتداء، وتدل على أن الجهاد فُرِضَ من بعد.
  وتدل على أن وجوبه عام، وقد بينا أن الجهاد فرض، ثم قد يتعين عند قصد الكفار دار الإسلام، وقد يكون من فرض الكفاية إذا خرج الإمام إلى دار الحرب.
  وتدل أن القوم خافوا القتال، وقد بينا ما قيل فيه، والأولى أنه صفة المنافقين؛