التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}

صفحة 336 - الجزء 1

  الجنة فيكلمه، وكان هذا بعد أن أُخْرِج من الجنة قبل أن يهبط إلى الأرض، عن أبي علي، وقيل: يجوز أن يكون قرب من السماء وإنْ لم يدخلها، عن أبي بكر أحمد بن علي، وقيل: أدخلته الحية في فمها، وليس بشيء.

  ويقال: كيف أكلا الشجرة؟

  قلنا: اختلفوا فيه، فقيل: تعمد الأكل من عين ما نهي عنه، ووقعت كبيرة، وهو قول الحشوية، ولا يجوز ذلك على الأنبياء؛ لأنهم معصومون، ولأن ما جوزوه يوجب عليهم البراءة واللعن، وهذا لا يجوز. وقيل: نسي النهي فتناول منها وهو ناسٍ، يدل عليه قوله تعالى: {فَنسَىَ} وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لو نسي لما كان ذنبًا، فكان لا يعاتب عليه، ولأنه كان من شريعته وأمر امرأته بالامتناع أيضًا فكيف ينساه؟، ولا يقال نسي الوعيد؛ لأن النهي يتضمن الوعيد. وقيل: إنه سكر سقته حواء الخمر حتى سكر فقادته إليها فأكل، عن سعيد بن المسيب، فكان يحلف بِاللَّهِ ما أكل وهو يعقل، وهذا ليس بالوجيه؛ لأن السكران إن زال عقله زال التكليف فلا يوصف فعله بأنه معصية، وإن لم يزل عقله فالكلام بحاله. وقيل: أكله ناسيًا، والنسيان غير مرفوع عن الأنبياء، وهذا لا يصح لأن النسيان يزيل التكليف، فإن الناسي لا يمكنه أداء ما كلف، وإن أراد بالنسيان التشاغل الذي يتمكن المكلف من إزالته، فلا فرق بيننا وبينهم فيه فلا معنى لهذا الفرق. وقيل: إنهما تأولا بأن الإشارة وقعت بالنهي إلى شجرة بعينها وكان المراد بها الجنس فترك الاستدلال وهذا نحو ما روي أن النبي ÷ ما شبع من هذه البرة السمراء، ونحو إشارته إلى قطعة من ذهب وقطعة من حرير «هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها» وأراد الجنس؛ لأنه