قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}
  لا يجوز على نبي من أنبياء اللَّه تعالى أن يأتي بمعصية، وهو يعلم أنها معصية، وإنما يغفل عن الاستدلال، وهذا هو الأوجه، وهو قول أبي علي، وقيل: تأولا النهي على الندب، لا على الحتم، وقد يجيء صورة النهي والمراد به التنزيه دون التحريم، كقوله: لا تجلس على الطريق، ونسي الوعيد المقرون به، وهذا يبعد لأن ظاهر النهي يقتضي التحريم، وذلك يتضمن الوعيد، ولا فرق بين أن يقال: نسي الوعيد المقرون بالنهي، أو يقال: نسي النهي.
  فإن قيل: كيف لم يعلم آدم مع فضله أنه نهي عن الجنس، وعلم ذلك إبليس حتى دعاه إلى أكل الجنس، وهذا كالقدح فيه، ولأنه إذا كان نهاه عن الجنس فلا بد من دليل يتمكن به من معرفته فكان يجب أن ينظر في الدليل، فإذا لم ينظر فقد ترك واجبًا، ولأنه لو نسي ذلك لوجب على اللَّه أن يخطر ذلك بباله حتى لا يقدم عليه، وليستدل على تحريمه، ولأنه تعالى قال: {أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} فعاتبه على أنه أكل ما نهي عنه، دل على أنه تناول عين ما نهي عنه، ولأنه - وإن نسي الاستدلال - لما ذكره الشيطان ودعاه إلى الأكل تذكر فكان يستدل، فلما لم يستدل دل أنه ترك الاستدلال تعمدًا، ثم استوى في ذلك ترك الاستدلال، وفعل الأكل؛ لأن كل واحد منهما ترك الواجب فلأن ذلك كان شريعة له، وكان مأمورًا بتبليغه هو، فكيف يصح أن ينساه، وهو لا يعلم كيفية التحريم والشيطان يعرفه؟!
  قلنا: اللَّه تعالى نهاهما عن جنس تلك الشجرة، وأشار إلى شجرة بعينها وقرن بالنهي دليلاً على أنه أراد الجنس، إلا أنه نسي الدليل فترك الاستدلال وتأول النهي على غير تلك الشجرة فأكل متأولاً، ولم يتعمد العصيان.
  فأما الجواب عن الأول أنه يجوز أن يكون علم إبليس من جهة الملائكة قبل خلق آدم وقبل هذه الأحوال ولم يعلم آدم ذلك، ولأن آدم لم يكن عرف العادات بالخطاب، وهو كان يعرف ذلك، ولأن مبالغته في العداوة تُقَوِّي دواعيه في النظر