قوله تعالى: {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا 90}
  يدخلون في قوم بينكم وبينهم أمان، فللداخل من ذلك الأمان مثل ما لهم، عن الحسن والسدي وابن زيد وعكرمة، وقيل: ينتسبون إليهم كما قال الأعشى:
  إِذا اتصلتْ قالت أَبكرَ بنَ وَائِلٍ ... وَبَكرٌ سَبتَها والأنُوفُ رَوَاغِمُ
  عن أبي عبيد، وأنكره بعض الفقهاء بأن النسب لا يوجب حقن الدم، كما لا يُوجب لمن كان قريبًا من المسلمين «أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» أي ضاقت قلوبهم من أن يقاتلوكم عن الحسن والسدي، وفيه إضمار، أي: وقد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم [يعني] عن قتالكم وعن قتال قومهم، فلا عليكم ولا عليهم، وقيل: (أو) بمعنى الواو، وتقديره على تقدير: وجاؤوكم حصرت صدورهم لقتالكم وقتال قومهم، وقد أجمع هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذكرنا عنهم أن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يصلون حصرتْ صدورهم، وهم كفار غير مُؤمِنِينَ لكن للعهد نهى عن قتلهم، واختلفوا: منهم من يجعلهم فرقتين، ومنهم من يجعلهم فرقة واحدة، وأما شيخنا أبو علي فجعلهم فرقة واحدة، وقال: هم قوم مؤمنون بين قوم كفار لهم مع النبي ÷ عهد، فَبَيَّنَ تعالى حالهم أنهم إن قاموا في قومهم، أو جاؤوكم وضاقت قلوبهم عن قتالكم وقتال قومهم، أما قتالكم فلأنهم مؤمنون، وأما قتال قومهم فللعهد والقربى والوصلة، فهَؤُلَاءِ المستثنى فرقة واحدة هذه صفتهم، فأما أبو مسلم محمد بن يحيى فيجعل المستثنى فرقتين من المؤمنين لهم عذر في ترك القتال، فقال: لما أوجب اللَّه تعالى الهجرة على الجميع استثنى من له عذر، فقال: «إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ» فهم قوم من المؤمنين قصدوا الرسول للهجرة والنصرة، فكان في طريقهم من الكفار ما لم يجدوا طريقًا إليه، فصاروا إلى قوم بينكم وبينهم عهد، وأقاموا عندهم إلى أن يمكنهم الخلاص، واستثنى بعدهم من يصير إليه، ويخبره أنه غير مقاتل له اتقاء اللَّه وخشية منه، ولا يقاتل قومه، لما لم يأمنه منهم على نفسه وحرمه وماله، وهو مع ذلك مقيم على الإيمان يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة فإذا لقي هَؤُلَاءِ أهل الإسلام، فلا يحل