قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}
  وقيل: آدم وحواء وذريته، وليس بصحيح لأنهم كانوا معدومين، ولأنه لم يَجْرِ لهم ذِكْرٌ. وقيل: آدم وحواء والوسوسة، عن الحسن، وهذا فاسد؛ لأنه ليس بمخاطب حتى يؤمر، ولم يَجْرِ له ذكر.
  فإن قيل: أليس خلق الأرض، ولو لم يعص كيف كان يكون؟
  قلنا: كان ينزله على إكرام وتعظيم، وهذا الإهباط كان امتحانًا وتكليفًا ولم يكن عقوبة، وقيل: كان لطفًا له كي يتحرز عن مخالفة أمر اللَّه، وما روي من بكائه وتوبته حالاً بعد حال مع أن ذنبه وقع مغفورا إنما كان على وجه الانقطاع إلى اللَّه تعالى، أو كان ذلك استدراكا لما فاته من الثواب، «بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو» يعني آدم وذريته وإبليس وذريته، ولم يكن من آدم إليه ما يوجب العداوة، ولكن حسده إبليس وخالفه، فنشأت بينهما عداوة، ثم عداوة آدم له إِيمَانٌ، وعداوة إبليس لآدم كُفْرٌ، «وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» أي مقر بأن جعل الأرض قرارًا، «وَمَتَاعٌ» أي: استمتاع، «إِلَى حِينٍ» إلى وقت، وقيل: إلى وقت الموت، عن أبي علي، وقيل: إلى الوقت الذي جعل اللَّه لكم من الأجل في الدنيا، عن الأصم، وقيل: إلى يوم القيامة، وقيل: مستقر في القبور إلى يوم البعث، وقيل: لما قال اللَّه تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ} جاز أن يظن ظان أنه غير منقطع قال: «إِلَى حِينٍ» أي إلى وقت انقطاعه، عن ابن السراج.
  · الأحكام: الآية تدل على جواز وقوع الصغيرة من الأنبياء خلاف ما يقوله جماعة من الإمامية، وإنما يجوز الصغيرة فيما يخصه، فأما في أداء الشرع وما يُنَفِّرُ من الصغائر فلا يجوز ألبتَّة، والكبائر لا تجوز عليهم بوجه.
  وتدل على أن الإهباط لم يكن عقوبة؛ لأنه كان بعد التوبة خلاف ما يقوله قوم من الحشوية، وهذا الإهباط من الجنة إلى السماء، عن أبي علي.
  وتدل على بطلان مذهب الجبر في المخلوق، ولأنه لو كان هو خلق الأكل فيه والوسوسة في إبليس، وهو الذي أوقعهما في المعصية لم يكن لِعَتْبِ آدم ولعن إبليس وإضافة ذلك إليهما، ولا لقوله: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيطَانُ» مَعْنًى.