قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا 94}
  فمن اللَّه عليكم بإعزازكم حتى أظهرتم دينكم، وقيل: فمن اللَّه عليكم بقبول توبتكم، عن السدي، وقيل: بهجرتكم، «فَتَبَيَّنُوا» أعاد ذلك تأكيدًا لما طال الكلام، وقيل: الأول تبينوا حاله، والثاني تبينوا هذه الفوائد والأحكام بضمائركم واعرفوها واتبعوها «إِنَّ اللَّهَ كَانَ» لم يزل «بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» يعني عليمًا بإيمانكم وضمائركم، وقيل: عليم بالأشياء كلها؛ لأنه عالم لذاته لم يزل على سبيل الوجوب.
  · الأحكام: تدل الآية على أن الجهاد عبادة، فلذلك وصف بأنه سبيل اللَّه، ولا خلاف فيه.
  وتدل أن في الجهاد تحصل الغنائم لذلك قال: «تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا».
  وتدل على وجوب التثبت على المجاهد كي لا يقع منه ما لا يحل، فتدل على أن الواجب التثبت في الأمور التي لا يتجلى له الحظر والإباحة؛ كي لا يقدم على محظور؛ ولذلك قلنا: لا يجوز أن يخبر ما لا يأمن كونه كذبًا، وكذلك يجب التثبت في المذاهب والاعتقادات كي لا يعتقد ما لا يجوز، لأن الجميع باب واحد.
  وتدل على أن من أظهر الإسلام لا يُكَذَّب بل يقبل منه، وكذلك المداهن، وكل ما لا يطلع عليه إلا من جهته.
  وتدل على أن من قال: أنا مسلم فقد حقن دمه.
  وتدل على أن حقن الدم يتعلق بإظهار الإيمان، لا بحقيقة الإيمان؛ لأن ذلك لا يعلم.
  وتدل على أن التوصل بالسبب المحرم إلى ابتغاء المال محرم؛ لذلك نهى عن القتل ابتغاء المال.
  وتدل على أن متاع الدُّنْيَا عرض قليل في جنب الآخرة، وذلك تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة.
  وتدل على أن الواجب الاتكال في الرزق وسائر الأمور على اللَّه تعالى، ولما بين هذه الأحكام والفوائد أمرنا بالتدبر والتفكر فيه، وقال: «فتبينوا»، فتدل على وجوب التفكر في فوائد القرآن وأحكامه.