التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا 94}

صفحة 1702 - الجزء 3

  أسامة، لا يقتل رجلاً قال: لا إله إلا اللَّه، وبهذا اعتذر إلى علي (كرّم اللَّه وجهه) لما تخلف عنه، وإن كان ذلك عذرًا غير مقبول؛ لأن القتال مع الإمام واجب عند خروج البغاة عليه، فهو وإن كان حلف فكان يجب أن يحارب، ويكفر يمينه، إلا أن أمير المؤمنين أذن له.

  · المعنى: لما بَيَّنَ أنواع القتل، ومن يجوز قتله ومن لا يجوز أمر عقيبَ جميع ذلك بالتثبت والتأني حتى لا يقع منه ما يعقب الندامة، فقال سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» صدقوا اللَّه ورسوله «إِذَا ضَرَبْتُمْ» وسرتم وسافرتم «فِي سَبيلِ اللَّه» في الجهاد والغزو ونصرة دينه «فَتَبَيَّنُوا» يعني ميزوا بين المؤمن والكافر؛ لتعلموا من يستحق القتل، وبالثاء، توقفوا وتأنوا حتى تعلموا ذلك، والمراد بالوجهين: لا تعجلوا في القتل إذا ظهر إسلامه ظنًّا بأنه لا حقيقة لإيمانه، ولكن يتبين في أمره، فإن ظهر منه أنه ليس له حقيقة بألَّا يصلي ولا يصوم، ويدع الإيمان عند الأمن، ولا يعلم منه حقيقة الإيمان فحينئذ فاقتلوه، وإن ثبت على إيمانه فلا تقتلوه «وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَمَ» قيل: السلم التحية، أي من حياكم بتحية أهل الإسلام، وقيل: من استسلم لكم فلم يقاتلكم مظهرًا أنه من أهل ملتكم، وقيل: ألقى إليكم السلم يعني أظهروا الإسلام، عن أبي مسلم «لَسْتَ مُؤْمِنًا» يعني ليس لإيمانكم حقيقة، فإنكم أسلمتم خوفًا من القتل، وقيل: لست بآمن «تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» يعني الغنيمة والمال، «فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ»، قيل: فواضل ونعم ورزق هو خير لكم إن أطعتم فيما أمركم به، وقيل: ثواب كثير لمن ترك قتل المؤمنين «كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ» قيل: كفارًا مثلهم، عن الحسن وابن زيد وأبي علي، وقيل: مستخفين بدينكم من قومكم كما استخفوا، عن سعيد بن جبير، وقيل: كنتم تأمنون في قومكم من المؤمنين «بلا إله إلا اللَّه» قبل الهجرة، فلا تخيفوا من قالها «فَمَنَّ اللَّه عَلَيكُمْ» أنعم عليكم قيل: بالإسلام، وقيل: