التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما 95 درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما 96}

صفحة 1707 - الجزء 3

  قلنا: فيه وجوه: قيل: ذكر في الأول صنفًا واحدًا فحسن ذكر درجة واحدة لتشاكل الكلام، وتقابل المعنى، وفي الثاني ذكر أصنافًا فذكر درجات؛ لأنه يذكر مع كل شيء ما يليق به، وقيل: الدرجة أولا الفضيلة والكرامة، والثاني درجات الجنة، عن أبي علي، وقيل: فضل اللَّه على أولي الضرر بدرجة، وعلى غير أولي الضرر بدرجات، وقيل: في الدنيا بدرجة وهي الغنيمة، وفي الآخرة بدرجات الجنة.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الجهاد من فروض الكفاية، ولذلك فضل المجاهد على القاعد الذي لا عذر له، ولذلك قال: «وَكُلاً وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى» ولو تعين الفرض وتركه لما صح ذلك.

  وتدل على أن الجهاد يكون بالنفس والمال.

  وتدل على أن الجهاد أفضل من كل قربة يفعلها القاعد؛ لأنه فضله على القاعد مطلقًا.

  وتدل على أن ذوي الأعذار يفارق حالهم حال القاعد بغير عذر.

  وتدل على أن المجاهد يفضل على القاعد بوجهين في الدنيا والآخرة، فلذلك ذكر درجة، وهو الشرف في الدنيا، وذكر درجات في الجنة.

  واستدل بعض الزيدية بالآية على أن زيد بن علي (كرّم اللَّه وجهه) أفضل أهل زمانه لخروجه وجهاده، وإذا ثبت بالآية كونه أفضل ثبتت إمامته، فيبطل بذلك قول الحشوية في إمامة المروانية، وهو قول الإمامية في ثبوت إمامة أئمتهم.

  ويقال: هل يجوز أن يستوي القاعد ذو الضرر مع المجاهد لمكان الاستثناء؟

  قلنا: لا يدل قطعًا، ولكن يدل أنه يجوز أن يساويه، ويجوز ألا يساويه من لا عذر له، وإنما ذكر تعالى غير أولي الضرر بهذه الفوائد، لكن بين الفرق بين المعذور