قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما 95 درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما 96}
  ذلك يغزو، ويقول: ادفعوا إليّ اللواء، ويقول: أقيموني بين الصفين، فإني لا أستطيع أن أفر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
  فإن قيل: أليس عندكم تأخير البيان عن حال الخطاب لا يصح؟
  قلنا: إن ثبت الخبر حملناه على النسخ، لا على البيان.
  · المعنى: لما حث على الجهاد بين ما فيه من الفضل والثواب، فقال سبحانه وتعالى: «لاَ يَسْتَوِي» أي لا يعتدل عند اللَّه حكمهم، وقيل: ليسوا في الدرجة والثواب سواء «الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» يعني الَّذِينَ قعدوا عن الجهاد إيثارًا للدعة والخفض «غَيرُ أُوْلِي الضَّرَرِ» يعني غير ذوي الأعذار من الزمانة والضعف في البدن والبصر ونحوها، وقيل: هو مصدر الضرير، يقال: رجل ضرير بَيّن الضرر، وقيل: أولي العذر، عن ابن عباس «وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه» يعني الَّذِينَ جاهدوا في سبيل الله ونصرة نبيه «فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً» أي منزلة «وَكُلاً وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى» يعني المؤمن القاعد للعذر، والمؤمن المجاهد، والحسنى قيل: كل خير وحسنة، وقيل: الحسنى الجنة «وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِين عَلَى الْقَاعِدِينَ» غير أولي الضرر «أَجْرًا عَظِيمًا، دَرَجَاتٍ مِنْهُ» قيل: منازل بعضها أعلى من بعض من منازل الكرامة؛ لأن النعم على مراتب بعضها أشرف من بعض، وعن قتادة: هي درجات الأعمال: الإسلام درجة، والهجرة درجة، والجهاد درجة، وقيل: الدرجات الجنة، وقيل: الدرجات تفضيل بعضهم على بعض «مِنْهُ» أي تلك الدرجات من اللَّه تعالى «وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا» وفيه بيان عن خلوص النعيم بأنه لا يشوبه غم، بما كان منه من الذنوب، بل غفر له ذلك؛ لأنه غفور، ثم رحمه بأنْ أعطاه النعم، وفضله بالدرجات.
  فإن قيل: لم قال أولا: (درجة)، وههنا درجات؟