التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا 102}

صفحة 1723 - الجزء 3

  وجه العدو، وتأتي الطائفة الأولى، فيقضون ركعة بغير قراءة؛ لأنهم لاحقون ويسلمون، ويرجعون إلى وجه العدو، وتأتي الطائفة الثانية، ويقضون ركعة بغير قراءة؛ لأنهم مسبوقون، عن عبد اللَّه بن مسعود وجماعة من الصحابة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه «وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا» وهم الَّذِينَ كانوا بإزاء العدو «فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهم» أي لتكونوا حذرين من عدوكم متأهبين لقتالهم بأخذ السلاح، عن أبي - علي «وَأَسْلِحَتَهُمْ» آلات الحرب، وقال الأصم: كونوا على حذر «وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» قيل: تمنى الكفار، وقيل: أحبوا «لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ» عن آلات الحرب «وَأَمْتِعَتِكُمْ» ما بها بلاغكم في أسفاركم «فَيَمِيلُونَ عَلَيكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً» أي يحملون حملة واحدة عند تضييعكم الحزم، فيحولون بينكم وبين الأسلحة، فيقتلونكم غرة «وَلاَ جُنَاحَ عَلَيكُمْ» أي لا حرج ولا إثم عليكم، وقيل: لا تعدلوا عن الحق، عن الزجاج «إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ» أي نالكم مطر وأنتم بإزاء العدو، «أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى» أي بكم علة أو جراح، وضعفتم عن حمل السلاح «أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكمْ» يعني لا حرج في وضع السلاح، ولكن خذوا حذركم، أي احذروا كي لا يميلوا عليكم «إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ» هيأ «عَذَابًا مُهِينًا» عذاب النار يهينهم فيها.

  · الأحكام: تدل الآية على صلاة الخوف، وتدل أن للخوف تأثيرا، وتدل على صفة صلاة الخوف، وقد اختلفوا فالأكثر أن صلاة الخوف ثابتة بعد الرسول، وروي عن جماعة منهم أبو يوسف أنه كان في أيامه وسقط بموته، ومن أثبتها اختلفوا في صفتها على ما قدمنا، منهم من يرى ركعة، ومنهم من يرى الصلاة مرتين، ومنهم من يرى ركعتين، ثم اختلفوا إذا صلت الطائفة الأولى ركعة على ما بَيَّنَّا من قول أبي حنيفة والشافعي، وذهب مالك إلى ما ذهب إليه الشافعي، إلا أنهما اختلفا فقال مالك: يسلم في الركعتين، ثم تقضي الطائفة الثانية ركعتهم، وقال الشافعي: لا يسلم، بل