التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما 104}

صفحة 1728 - الجزء 3

  والألم: الوجع، والألم جنس من الأعراض يكون من فعل اللَّه تعالى ابتداءً أو لسبب، وقد يكون من فعل العباد ولا يكون إلا بسبب، وإنما يكون ألمًا إذا أدركه مع [الضعف]، فإن أدركه مع الشهوة يكون لذة.

  والابتغاء: الطلب، ومنه الباغي لطلبه ما ليس له، ومنها البَغِيُّ لطلبها الفجور، ووزن «ابتغاء» افتعال، وفعلت وافتعلت بمعنًى، يقال: بعت الشيء وابتعته.

  · الإعراب: «إن تكونوا تألمون» يجري مجرى قوله: مُتَأَلِّمِينَ فنصبه على الحال، وهو جواب المجازاة.

  · النزول: قيل: نزلت في الذهاب إلى بدر الصغرى لموعد أبي سفيان يوم أحد، فلما وافاها ألقى اللَّه تعالى في قلوب المشركين الرعب، فلم يكن قتال، عن الأصم.

  وقيل: نزلت في الذهاب خلف أبي سفيان وخلف عسكره إلى حمراء الأسد يوم أحد، عن عكرمة.

  · المعنى: عاد الكلام إلى الحث على الجهاد، فقال سبحانه: «وَلاَ تَهِنُوا» أي لا تضعفوا «فِي ابْتغَاءِ الْقَوْم» أي في طلبهم «إِنْ تَكُونُوا تَأْلمونَ» بالموت أيها المؤمنون من ألم الجراح والتعب «فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ» يصيبهم من الألم والتعب مثل ما يصيبكم «وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّه مَا لاَ يَرْجُونَ» قيل: تؤملون من الثواب والجزاء عند اللَّه ما لا يأملون، عن الحسن وقتادة وابن جريج وأكثر أهل العلم، وقيل: ترجون من الظفر والنصر والغنيمة وإظهار دينكم على سائر الأديان بوعد اللَّه ما لا يرجون هم، وقيل: تخافون اللَّه ما لا يخافون هم، قال الفراء: أكثر ما يستعمل الرجاء موضع الخوف إذا صحبه الجحد «وَكَان اللَّه عَلِيمًا»