قوله تعالى: {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما 113 لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما 114}
  يجبهم إلى ذلك، وقيل: هم المنافقون هموا بالفتك به فدفع اللَّه عنه، وقيل: هم الكافرون لا يضرونك في دينك وإزالة نبوتك؛ لأنه تعالى يؤيدك «وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ» يعني: ومن فضله أنزل عليك قيل: الكتاب: القرآن، والحكمة: ما فيه من الأحكام، وقيل: الحكمة: السنة، وقيل: كيف يضلونك، وهو ينزل عليك الكتاب ويوحي إليك بالأحكام؟! «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ» قيل: من الشرائع، وقيل: من أخبار الأولين والآخرين وما كان وما يكون «وَكَانَ فَضْلُ اللَّه عَلَيكَ عَظِيمًا» قيل: فضله عليك - منذ خلقك إلى أن بعثك - عظيم، وقيل: عظيم حيث جعلك خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأعطاك الشفاعة وغيرها «لاَ خَيرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ» أي إسرارهم، قيل: نجوى الناس، وقيل: الَّذِينَ ذبوا عن الخائن قوم [طعمة]، وقيل: هم المنافقون الَّذِينَ حكى اللَّه عنهم «إذ يبيتون ما لا يرضى من القول» غير أن لا خير في النجوى الذي يخفونه عن النبي والمسلمين، لكن الخير فيمن يأمر بالمعروف عن أبي مسلم، وقيل: هم وفد ثقيف «إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ» يعني حثَّ عليها «أَوْ مَعْرُوفٍ» قيل: أمر بمعروف، وهوَ أبواب البر، سمي معروفًا لاعتراف العقول بها، وقيل: لأن أهل الخير يعرفونهم «أَوْ إِصْلاَحٍ بَينَ النَّاسِ» قيل: يؤلفون بين الناس بالمحبة «وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ» يعني ما تقدم ذكره «ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّه» أي طلب رضاه «فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ» يعطيه «أَجْرًا» أي عوضًا ومثوبة عظيمة في الكثرة والمنزلة والصفة، أما الكثرة فلأنه دائم، وأما المنزلة فلأنه مع التعظيم، وأما الصفة فلأنه لا يشوبه ما ينغصه، فهو مستحق.
  · الأحكام: تدل الآية على اللطف؛ لأنه تعالى بَيَّنَ أنه لولا فضله لهمّوا أن يضلوه، فَبَيَّنَ أنه لم يقع منهم ما هموا به للطفه وفضله.
  وتدل على أن فاعل المعصية يضر بنفسه؛ لأن وباله يعود عليه.
  وتدل على أن أحدا لا يؤاخذ بذنب غيره.
  وتدل على أن الذي يدعو إلى الضلال هو المضل، وأن فاعل الضلالة مضل لنفسه، ولو كان ذلك خلقًا له تعالى لكان هو المضل للجميع، تعالى اللَّه عن ذلك.