التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا 115 إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا 116}

صفحة 1746 - الجزء 3

  · المعنى: لما تقدم ذكر التوبة بين عقيبه حال الإصرار، فقال تعالى: «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ» يخالف ويعادي الرسول يعني محمدًا، ÷ «مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ» أي ظهر «الْهُدَى» الحق والإسلام، وقيل: بين رسالته بما ظهر عليه من المعجز، وقيل: التوحيد والدين «وَيَتَّبعْ غَيرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ» أي طريقهم الذي هو دينهم «نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى» أي نكله إلى ما انتصر به، واتكل عليه من الأوثان، وقيل: نكله إلى ما اختار لنفسه، ونخلي بينهما «وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ» أي نلزمه عذاب جهنم «وَسَاءَتْ مَصِيرًا» أي بئس المصير جهنم لمن صار إليها «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» أي لا يغفر الشرك للمشرك، وقيل: إذا تاب فلا يكون مشركًا فهو يغفر لمسلم لا لمشرك، فالآية على إطلاقه، وقيل: أطلق ذلك لما علم بالعقل والسمع أنه يغفر للتائب «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» قيل: الصغائر، عن أبي علي، وقيل: بالتوبة، عن أبي مسلم، جعل تقدير الآية أن اللَّه لا يغفر لمشرك ذنبا ما دام على شركه وإن تاب منه، ويغفر ما دون الشرك إذا تاب عنه «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا» قيل: بعيدًا عن الغرض المطلوب من دوام النعيم، وقيل: بعيدًا لا يرجى بعده هدىً، وقيل: بعيدًا من الحق؛ لأن الكفر أبلغ الضلال.

  · الأحكام: تدل الآية على أن مشاقة الرسول كبيرة وقد تكون كفرًا.

  وتدل على أن المعصية أعظم بعد التبيُّنِ.

  وتدل على أن من لم تقم عليه الحجة فهو معذور؛ إذ لو لم يكن معذورا لم يكن لهذا الشرط معنى.

  وتدل على أن الإجماع حجة؛ لأن سبيل المؤمنين كل قول أو فعل اتفقوا عليه؛ لأنهم إذا أمسكوا بأمر فقد صار ذلك طريقهم، فإذا ترك الاقتداء بهم لحقه الوعيد.