قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما 129 وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما 130}
  بالآخر. فإذا تفرقا فاللَّه تعالى القيم بأمر كل واحد، وسمي الطلاق فرقة؛ لأنه ينافي الاجتماع الذي كان قبله من المجامعة والمساكنة التي ملكها بعقد النكاح «يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ» أي يغني كل واحد برزقه إما بزوج هو أصلح لها، أو برزق واسع، وأما الزوج فإما أن يغنيه بزوجة هي أصلح له أو برزق واسع «وَكَان اللَّه وَاسِعًا» قيل: واسع الرحمة والفضل، عن أبي علي، وقيل: واسع المقدور يقدر أن يؤتيه ما وعد، وقيل الواسع: الجواد، عن أبي مسلم «حَكِيمًا» أي حكيما فيما قضى في النكاح والفرقة وسائر الأحكام، وقيل: حكيمًا في جميع ما قضى وقدر من أمور عباده، عن أبي علي.
  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى لا: يؤاخذ العبد بما لا يستطيعه حيث رفع الحرج مما لا يستطيعه من الحب والشهوة.
  وتدل على أن الاستطاعة قبل الفعل؛ إذ لو كان غير مستطيع للفرائض قبل الدخول فيها لما أحدثها.
  وتدل على وجوب التسوية بين النساء فيما يملك حيث أمر بترك الميل.
  وتدل على أن لهما الفرقة كما لهما أن يجتمعا بالمصالحة، واستدلت الْمُجْبِرَة بالآية على تكليف ما لا يطاق ولا حجة لهم فيه؛ لأن العبد لم يكلف ما لا يستطيع، وإنما كلف ما يستطيع على ما قدمنا، فأما الاستطاعة فهي عرض يحل المستطيع، والمستطيع جملة الشخص، ويصير مستطيعًا باستطاعة، وهي قبل الفعل غير موجبة للفعل، وتتعلق بالضدين ويفعل بها المباشر والمتولد هذا كله قول مشايخنا، وفي كل مسألة منها خلاف ليس هذا موضعه، فأما الفرقة إذا قال لامرأته: فارقتك، فهي كناية إن نوى الطلاق كان طلاقًا بائنًا، وكذلك سائر الكنايات غير ثلاث: اعتدِّي، واستبرئي رحمك، وأنت واحدة، فإنها تقع بالنية، وتكون رجعيًّا، وقال الشافعي: الفراق صريح، والواقع بالكنايات رجعي، وإن نوى بالكنايات واحدة أو ثلاثًا كان كذلك، وإن نوى ثنتين فهي واحدة عند مشايخنا، وقال الشافعي: تقع ثنتين، وهو قول زفر.