التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما 129 وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما 130}

صفحة 1770 - الجزء 3

  التسوية، فتصير بمنزلة من قد توفرت دواعيه إلى الشيء دون ضده في أنه قد خرج عن حد من يجوز أن يقع منه، فصار بمنزلة من لا يقدر عليه «فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيلِ» أي لا تميلوا عن التسوية فيما تقدرون عليه من النفقة والقسم والمعاشرة بالمعروف، فسووا بينهن في ذلك «فَتَذَرُوهَا» أي تتركوها «كَالْمُعَلَّقَةِ» قيل: لا زوجة ولا مطلقة؛ لما فيه من الإضرار بها، عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن والربيع، وقيل: كالمجنونة، عن قتادة والكلبي، وقيل: لن تستطيعوا العدل بينهن، فلا تتعمدوا الإساءة. عن مجاهد، وروي عن النبي، ÷ أنه قال: «هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك» وروي: «أنت أعلم بما لا أملك» «وَإِنْ تُصْلحُوا وَتَتَّقُوا» قيل: تصلحوا أعمالكم وتتقوا المعاصي، عن أبي علي، وقيل: تصلحوا بالعدل في الصحبة، وتتقوا اللَّه في أمرها، عن الأصم، وقيل: تتقوا بالتوبة بما سلف منكم من الميل، وقيل: تصلحوا أمر النساء على ما تراضون، وتتقوا الميل «فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا» يعني يغفر ما سلف منكم؛ لأن مراده الرحمة لكم، والنعمة عليكم، وقيل: غفورا لما سلف رحيمًا بأن جعل لكم مخرجًا وبيانًا، عن الأصم، «وَإنْ يَتَفَرَّقَا» الزوج والزوجة إذا عجز كل واحد عن إيفاء حق صاحبه فخافا ألَّا يقيما حدود اللَّه فطلقها وخالعها جاز، وإنما ذكر ذلك لوجوه:

  أحدها: بيان جواز المفارقة.

  والثاني: تسلية لهما.

  والثالث: بيان تفصيل الأحكام إن اختارا أن يجتمعا، أو يتفرقا.

  ومتى قيل: لم شرط تفرقهما في الرزق، وهو يرزقهما: تفرقا أو اجتمعا؟

  فجوابنا لوجهين: أحدهما تسلية لهما، والثاني أنه أغنى كل واحد من الزوجين