التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا 135}

صفحة 1781 - الجزء 3

  منها: أن الواجب على المرء سلوك طريقة العدل في نفسه وغيره بعيدًا كان أو قريبًّا، غنيًّا كان أو فقيرًا، ولا ينبغي أن يتبع الهوى.

  ومنها: أنه متى كان عليه حق يجب أن يقر به، وإن لحقته مضرة.

  ومنها: أنه يجب أن يشهد على غيره من غير محاباة.

  ومنها: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

  ومنها: أنه يجب على الحاكم أن يعدل في الحكم، وقد روي عن ابن عباس في معنى الآية أنهما الرجلان يجلسان إلى القاضي، فيكون لي القاضي وإعراضه على أحدهما دون الآخر، فتدل على أصل من أصول أدب القاضي، وأصل فيه أن يسوي بين الخصمين، فيدل على اعتبار أحوال القاضي وكيف يصنع، وتدل على أن شهادته على أولاده وآبائه مقبولة؛ لأنه لا تهمة فيه، ولا خلاف أن شهادته على هَؤُلَاءِ لا تقبل، فأما شهادته لهم فالأكثر على أنه لا يجوز، والأقل على أنها تجوز، واختلفوا في شهادة أحد الزوجين لصاحبه، فعندنا لا تجوز، وقال الشافعي: تجوز، ولا خلاف أنه يجوز للأخ والأخت والعم والخال ونحوهم من الأقارب.

  ومنها: أن الشهادة تجب أن تقام بالقسط، ولا يعتبر الغني والفقير، فكان من الجائز أن الشاهد إذا عرف فقره ووجوب حق عليه، ومتى شهد حبس فلا يشهد، فأزال اللَّه تعالى هذه الشبهة عن القلوب.

  ومنها: دلالتها أن الغنى والفقر من قبله تعالى؛ فلذلك قال اللَّه تعالى: «فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا».

  ومنها: أنه يلزم القسط كل من يَليَ أمرًا من قاض أو شاهد، وأن ينوي أن يقيمه لله، ولا ينوي ممايلة ومضارة، ويجب عدم اتباع الهوى بزيادة أو نقصان أو تحريف أو كتمان، وجميع ذلك يضر بالخصم.