قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا 140}
  عن مواضعه، فنزلت الآية نهيًا عن مجالستهم ومخالطتهم، قال ابن عباس: دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع، وعن عمر بن عبد العزيز أن قومًا أخذوا على شراب فضربوا الحد وفيهم صائم، قيل: إن هذا صائم، فتلا قوله تعالى: «فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيرِهِ».
  · المعنى: لما تقدم ذكر المنافقين وموالاتهم للكفار، عقبه بالنهي عن مخالطتهم، فقال تعالى: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ» قيل: الخطاب لأهل الكتاب تذكيرًا لهم بما أنزل عليهم في كتبهم من مجانبة المستهزئين بكتب اللَّه، وتحذيرًا عن ذلك، وقيل: الخطاب للمنافقين نهيًا لهم عن مجالسة أهل الكفر والنفاق، وقيل: الخطاب للمؤمنين فبين اللَّه أن مستمع الباطل كقائله إذا لم ينكر، ورضي به «فِي الْكِتَاب» قيل: في التوراة والإنجيل، وقيل: في القرآن، اختلفوا فيه على حسب اختلافهم في المخاطب بالآية.
  ومتى قيل: فأين المُنَزَّل في القرآن؟
  فجوابنا: قوله تعالى في الأنعام: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} الآية.
  «أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ» قيل: من الكفار ومشركي العرب، وقيل: من المنافقين «آيَاتِ اللَّهِ» حججه وهو القرآن «يُكْفَرُ بِهَا» يجحد بأنه منزل وحق «وَيُسْتَهْزَأُ بِهَ» يسخر منها «فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ» مع هَؤُلَاءِ المستهزئين «حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيرِهِ» قيل: حتى يأخذوا في حديث غير الكفر والاستهزاء بالدين، وقيل: حتى يرجعوا إلى الإيمان ويتركوا الكفر والاستهزاء «إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ» قيل: في العصيان، وقيل: في الرضا بحالهم في ظاهر الأمر؛ لأن كليهما كفر: الاستهزاء بالدين والرضا بالاستهزاء «إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا» قيل: كانوا [قد] اجتمعوا على الاستهزاء بالآيات، فجمعهم اللَّه تعالى في العذاب، وقيل: كانوا [قد] انقطعوا إليهم