قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا 140}
  التماسًا للعزة بيد أن جميعهم يصيرون إلى العذاب المهين الأليم، عن أبي مسلم.
  · الأحكام: تدل الآية على أنه يجب مفارقة موضع المنكر، ويحتمل أن يكون خاصًّا في المستهزئ لعظم حاله، ويحتمل أن يكون عامًّا في كل منكر، وقد اختلفوا، فمنهم من قال: يجب التباعد، وهو الذي يدل عليه ظاهر الآية، ومنهم من قال: إذا أنكره بقلبه ولم يوجد منه ما يوجب الرضا لم يجب أكثر من ذلك، وهو قول أبي علي وأبي هاشم.
  وتدل على تحريم المداخلة والمقاربة، كما حرم القعود؛ لأِن الكل سواء، وقيل: إن النهي عن القعود معهم إذا أمكنه النكير فلا ينكر، وقد ذكر عن الحسن أنه رخص في القعود إذا خاضوا في حديث غيره، ثم نسخ بقوله: {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٦٨} وعن ابن عباس أن عند نزول الآية كان لا يحل للمسلمين أن يقاعدوهم إذا استهزؤوا، فنسخ بقوله: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية، قال قاضي القضاة: ومن قال: إنه منسوخ ذهب إلى أن آخر الآية يدل عليه، وليس كذلك؛ لأن قوله: «إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ» يدل على أنه ليس المراد أن يتمكنوا من النكير ولا يمكنهم إظهار الكراهة، وإنما يكون مثلهم من يرضى بطريقتهم أو يظهر ما يدل على الرضا، فلا وجه لذكر النسخ، والمحرم من القعود ألا يمكنه إظهار النكير، أو يؤثر نكيره، فله مندوحة عن القعود، أو شاهده من يَعُدُّهُ منهم ولا يعرف حاله فيتهمه، فعند ذلك يجب مفارقة المجلس، وإن كان له في ذلك منفعة حق فله ألا يفارق، كمن يحضر الجنائز فيحضر النوح أو يحضر الولائم، فيسمع المنكر فيسعه أن يقعد، والإنكار على قدر الإمكان يجب عليه، وذكر الحسن إن كنا نترك حقّا لباطل لشرع