التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا 142 مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا 143}

صفحة 1797 - الجزء 3

  يجازيهم على ذلك الخداع، فسمى الجزاء على الشيء باسم الشيء، كقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} وقيل يعمل معهم عمل المخادع بما أمر من قبول إيمانهم وإجراء أحكام المؤمنين عليهم، مع ما علمه من ضمائرهم في الكفر، ثم يعاقبهم بالعقاب الدائم، وقيل: يعطيهم في الآخرة نورًا يمشون به مع المؤمنين، فإذا وردوا الصراط طفئ نورهم، فقالوا للمؤمنين: ألم نكن معكم؟! قالوا: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا، قال الحسن: فتلك خديعة اللَّه إياهم، وقيل: يفتح لهم باب الجنة فيظنون أنهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة، فإذا راموا الخروج طردتهم الخزنة بالمقامع، فذاك خداعهم «وِإذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى» أي: متثاقلين؛ لأنهم يفعلونه رياء لا لله تعالى «يُرَاءُونَ النَّاسَ» أي: يصلون للرياء فإذا رآهم الناس يصلون يوهمون أنهم يدينون بدينهم، وإن لم يرهم أحد لم يصلوا وانصرفوا «وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ» أي في صلاتهم «إِلَّا قَلِيلًا» قيل: ذكرًا قليلاً رياء، عن قتادة، وقيل: قليلاً لأنه لغير اللَّه، عن ابن عباس، وقيل: قليلاً يسيرًا، نحو التكبير وما يظهر دون القراءة والتسبيح؛ لأنهم يعملونه رياء، عن أبي علي «مُذَبْذَبِينَ» قيل: مترددين بين الكفر والإيمان لا إلى المؤمنين بإخلاص الإيمان، ولا إلى الكافرين باتفاق الظاهر والباطن في الكفر، وقيل: متحيرين في دينهم، مضطربين في اعتقادهم، لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحة.

  ومتى قيل: فَلِمَ ذمهم على ترك الكفر؟

  فجوابنا لأنهم تركوه إلى كفر أقبح ودين أخبث، ويحتمل أنه ذمهم على التحير «بَينَ ذَلِكَ» أي: بين الكفر والإيمان إذا سمعوا حجج المؤمنين شكوا في الكفر، وإذا سمعوا من الكافر شكوا في الإيمان «لاَ إِلَى هَؤُلَاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلَاءِ» أي: ليس مع المؤمنين ولا مع الكافرين «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ» قيل: يهلكه بالعقاب «فَلَنْ تَجِدَ لَهُ» طريقًا إلى النجاة، وقيل: من حكم اللَّه بضلالهم وسماه ضالاً «فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً» إلى