التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا 144 إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا 145 إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما 146}

صفحة 1800 - الجزء 3

  ومتى قيل: لم ذكر ذلك وسلطان اللَّه عليه ثابت قبلُ وبعدُ؟

  فجوابنا: أن معناه سلطان في عقابكم على ما بينا «مُبِينًا» بينًا ظاهرًا {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ} قيل: النار دركات، والمنافق في الدرك الأسفل، عن عبد اللَّه بن كثير وأبي عبيدة وجماعة، وقيل: في أسفل النار، عن ابن عباس «وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا» يعني ناصرًا ينجيهم من العذاب بالقوة أو بالشفاعة، ثم بين طريق نجاتهم، فقال سبحانه: «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا» يعني تابوا من النفاق بالندم عليه «وَأَصْلَحُوا» يعني أصلح قوله وفعله، وإنما شرط مع التوبة الإصلاح لئلا يتكل الإنسان على التوبة بمجردها، وقيل: لتقع توبته على هذه الصفات، وقيل: أصلحوا بفعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه، وقيل: أصلح نفاقه بالتوبة «وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ» أي: بطاعته من كل ما يخاف عاجلاً وآجلاً، «وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ» قيل: عبدوا اللَّه وحده دون من سواه، عن أبي علي، وقيل: وحدوه وتركوا كل كفر، عن الأصم وأبي مسلم «فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ» قيل: معهم في الجنة، وقيل: معهم في الولاية والكرامة في الدنيا والآخرة، وقيل: معهم على دينهم «وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ» يعطي اللَّه «الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا» أي ثوابًا عظيمًا دائمًا.

  · الأحكام: تدل الآية على المنع من موالاة الكفار، وهي الموالاة في الدين والنصرة فيه.

  وتدل الآية على بطلان الجبر؛ لأنه تعالى بَيَّنَ أنهم متى عصوا كان لله حجة في عقابهم، وعندهم لو عاقبه ابتداء جاز، وكان له حجة أن الملك ملكه.

  وتدل على عظم حال المنافقين في العقوبة.

  ومتى قيل: عقوبة أهل النفاق لم كانت أعظم؟

  فجوابنا: أنه لا يمتنع أن يكون في الكفار من يساويهم في العقاب، وإن كان فيهم من يزيد عقاب المنافق على عقابه.