التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا 149 إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا 150 أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا 151 والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما 152}

صفحة 1807 - الجزء 3

  ويقال: أين خبر «إن» في قوله: «إن الَّذِينَ يكفرون»؟

  قلنا: فيه قولان:

  أحدهما: أنه محذوف، كأنه قيل: جمعوا المخازي.

  والثاني: أولئك هم الكافرون، والأول أحسن لوجهين:

  أحدهما: أنه أبلغ؛ لأنه إذا حذف الجواب ذهب الوهم كل مذهب من الغيب، فإذا ذكر اقتصر على المذكور.

  وثانيها: أنه رأس آية، فالأحسن ألَّا يكون الخبر في الآية الأخرى.

  ويقال: ما موضع (هم) من الإعراب؟

  قلنا: فيه قولان:

  الأول: أنه رفع بالابتداء، وخبره «الكافرون»، والجملة خبر «أولئك».

  الثاني: لا موضع له على أنه فصل مؤكد. والفرق بين «أولئك» و «أولئكم» أن «أولئك» خطاب لواحد وإشارة إلى جماعة، و «أولئكم» خطاب لجماعة بالكاف والميم، وإشارة إلى جماعة، كقوله تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ ٤٣}.

  ويقال: بم ينتصب حقًا؟

  قلنا: لأنه وقع تأكيدًا للخبر كقوله: زيد أخوك حقًّا، أي: يحق ذلك حقًّا، ولا يجوز أن ينتصب؛ لأنه صفة للمصدر، نحو: قلت حقًا أي: قولاً حقًا؛ لأن الكفر ليس بحق على وجه.

  · النزول: قيل: نزل قوله: «إِنَّ الَّذِينَ يَكفُرُونَ» في اليهود آمنوا بموسى وعزير، وكفروا بعيسى ومحمد، وفي النصارى آمنوا بعيسى، وكفروا بمحمد.

  · المعنى: لما تقدم ذكر النفاق عقبه بأنه يعلم الجهر وما يخفى، وقرن إليه ذكر أحوال اليهود والمؤمنين، فقال تعالى: «إِنْ تُبْدُوا» تظهروا «خَيرًا» طاعة «أَوْ تُخْفُوهُ» فلا تظهروها