التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا 153 ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا 154}

صفحة 1811 - الجزء 3

  السبعون الَّذِينَ خرجوا إلى الميقات، وإنما عاب هَؤُلَاءِ بفعل أسلافهم؛ لأنهم يرضون بفعلهم، ويجرون على طريقتهم، ويقتدون بهم «أكبَرَ مِنْ ذَلِكَ» أي: أعظم من هذا في التعنت والاستحالة «فَقَالُوا أَرِنَا اللَّه جَهْرَةً» قيل: أرنا اللَّه عيانًا ننظر إليه، وقيل: هو على التقديم والتأخير؛ أي قالوا: جهرة أرنا اللَّه، عن ابن عباس وأبي عبيدة «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ» يعني صعقوا أمواتًا، وقيل: عذاب صعقوا له، عن الأصم. «بِظُلْمِهِمْ» أي: جزاء لعظيم ما فعلوا وسألوا «ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ» يعني ومن عظيم كفرهم اتخاذهم عجل السامري إلهًا يعبدونه «مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ» قيل: علم التوحيد، وقيل: المعجزات «فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ» أي: غفرنا ذلك لهم بعد التوبة، وقيل: عفونا عنهم بعد القتل المكتوب عليهم، وقيل: أمهلناهم للتوبة، ولم نستأصلهم «وَآتَينَا مُوسَى» أعطيناه «سُلْطَانًا» حجة «مُبِينًا» بينا ظاهرًا على نبوته، وهي الآيات التسع «وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ» قيل: لما امتنعوا من قبول التوراة والعمل به رفعنا الجبل فوقهم، وقيل: لما امتنعوا من الانقياد لموسى، وقيل: لما عبدوا العجل رفع عليهم ليتوبوا، وإلا أسقط عليهم فتابوا، وقيل: رفع الجبل فوقهم ظلة لهم ومعجزة لموسى # عن أبي مسلم، يعني بعدما فعلوا تلك الأفاعيل زدناهم معجزة ونعمة برفع الجبل «بِمِيثَاقِهِمْ» قيل: رفع الجبل بنقض ميثاقهم الذي أخذ عليهم أن لا يكفروا، عن أبي علي، وقيل: رفعنا الجبل ليقبلوا ما فيه ميثاقهم وهو التوراة، عن الأصم، وقيل: بميثاقهم أي: بإعطائهم أَمْرَ الميثاق عن أبي مسلم؛ يعني إنما أنعم عليهم بذلك بما جعلوا من الوفاء بالعهد والميثاق، وقيل: بما أعطوا من الميثاق أن يعملوا بما في التوراة لما خالفوا رفع عليهم الجبل، «وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ» ومن الميثاق المأخوذ عليهم دخول الباب، قيل: باب من أبواب بيت المقدس، عن قتادة وهو باب حطة، وقيل: هو في إيلياء؛ وقيل: أريحا «سُجَّدًا» قيل: خاضعين لله، وقيل: أمروا بالدخول راكعين فدخلوا يزحفون على استاههم، وقيل: على شق وجوههم «وَقُلْنَا لَهُمْ» لليهود ومما أخذ عليهم الميثاق