التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا 157 بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما 158}

صفحة 1816 - الجزء 3

  يتبعون الظن، والفرق بين (بل) و (لكن): أن «بل» للإضراب عن الأول، وإيجاب الثاني، و (لكن) لاستدراك النفي بالإيجاب، أو الإيجاب بالنفي.

  · المعنى: لما تقدم حكاية قولهم في مريم والرد عليهم عقبه بذكر قولهم في المسيح، فقال سبحانه: «وَقَوْلِهِمْ» يعني قول اليهود «إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ» سمي مسيحًا؛ لأنه مسح بالبركة، اسمان سماه اللَّه تعالى بهما، عن الحسن، وقيل: لأنه كان يسيح في الأرض، فيكون علما على أنه يقطعها سيحًا ومسحًا «رَسُولَ اللَّهِ» يعني عيسى رسول اللَّه «وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» الكلام يشتمل على فصول:

  أولها: جواز التشبيه فأنكره بعضهم؛ لأنه إغراء بالجهل، وجوزه الأكثر في أزمان الأنبياء معجزة ومصلحة، كما روي أن جبريل # كان يأتي في صورة دحية الكلبي، وإنما جاز ذلك لبيان الأنبياء ذلك، وإزالة اللبس.

  وثانيها: إلقاء الشبيه فيمن اختلفوا فيه، فقيل: اللَّه تعالى شبه عليهم بأن ألقى شبه عيسى على ذلك الرجل، عن أكثر المفسرين، وقيل: هم شبهوا على أنفسهم، كما يقال: أين يذهب بك؛ يعني أين تذهب، عن أبي مسلم، وقيل: الرؤساء شبهوا للجهال والعوام، عن أبي علي.

  وثالثها: كيفية التشبيه اختلفوا فيه على أقوال:

  الأول: أنه تعالى ألقى شبه عيسى على غيره، فظنوا أنه هو لما رأوا ذلك الغير، عن ابن عباس والحسن وقتادة ووهب ومجاهد والسدي وابن جريج وابن إسحاق.

  والثاني: أنهم لم يكونوا يعرفونه بغتة، وإن كان مشهورًا فيهم بالذكر، فارتشى منهم يهودي ثلاثين درهمًا، ودلهم على غيره موهمًا أنه المسيح، فشبه عليهم.

  الثالث: أنه تعالى لما رفعه إلى السماء خاف رؤساؤهم فنبه عوامهم بأن اللَّه منعهم منه، فعمدوا إلى إنسان فقتلوه وصلبوه، ولبسوا على الناس موهمين أنه