التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما 162 إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا 163}

صفحة 1825 - الجزء 3

  ومدحهم، وعجب من ترك الإيمان به مع ظهور الآيات عليه كما ظهرت على الأنبياء؛ إذ الطريق في الجميع واحدة، وهو ظهور المعجز، عن أبي مسلم، وقيل: لما سألوا ما حكى تعالى عنهم من إظهار معجزة على حسب اقتراحهم، كما قال: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ» فقل: الحجة تقوم بنبوتك كما قامت نبوة مَنْ قبلك، فهلا آمنوا كما آمن الراسخون! فهو حجاج وجواب في معنى قول علي بن عيسى.

  · النزول: قيل: لما نزل قوله: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ» وما بعدها من ذمهم غضبوا، وقالوا: ما أنزل اللَّه على بشر من شيء، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية وما بعدها «إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ ..» إلى آخر الآيات «رُسُلاً مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ».

  · المعنى: «لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» يعني الثابتون في العلم، المبالغون فيه «مِنْهُمْ» أي: من أهل الكتاب الَّذِينَ علموا ما جاء به الأنبياء «وَالْمُؤْمِنُونَ» بذلك، وبما أنزل إليك كعبد اللَّه بن سلام وغيره «يُؤْمِنُونَ» به بما أنزل إليك، أي: يصدقون «بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ» من القرآن والشرائع أنه حق «وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» من الكتب «وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ» هو صفة للراسخين على تقدير: أعني المقيمين، وقيل: هم غيرهم، والمراد به الأنبياء أي: يؤمنون بالمقيمين الصلاة، وقيل: هم الملائكة، وقيل: هم المؤمنون وإقامة الصلاة أداؤها بشرائطها «وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ» أي: المعطون زكاة أموالهم «وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» وحده من غير تشبيه ولا إجبار «وَالْيَوْمِ الآخِرِ» أي: يصدقون بالبعث، ويوم القيامة والثواب والعقاب، وسمي آخرًا لتأخره عن الدنيا «أُولَئِكَ» يعني من صفته ما تقدم «سَنُؤْتِيهِمْ» سنعطيهم «أَجْرًا عَظِيمًا» أي: ثوابًا جزيلاً وهو الجنة جزاء بما عملوا، وسمي أجرًا؛ لأنه في مقابلة العمل مستحق عليه «إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ» يا محمد قدمه في الذكر وإن تأخرت نبوته لتقدمه في الفضل «كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نُوحٍ» قدم نوح؛