التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا 167 إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا 168 إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا 169}

صفحة 1832 - الجزء 3

  · النظم: اتصال الآية بما قبلها اتصال النقيض بالنقيض؛ لأن الأولى شهادة له بالنبوة، وتسلية له عما يلحقه من تكذيب الكفار، وهذه الآية تحسير لهم بذهابهم عن الرشد، وقيل: لما بين بشهادته بين أنهم لم يشهدوا، وبين عقيبه أنهم كفروا بذلك، فضلوا ضلالاً بعيدًا.

  · المعنى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» جحدوا دين اللَّه، وجحدوا نبوتك «وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه» قيل: منعوا الناس عن قبول دين اللَّه، وهو دينك، وقيل: إعراضهم عن ذلك.

  ومتى قيل: كيف صدوا الناس عنه؟

  قلنا: بقولهم: ما نجد وَصْفَهُ في الكتاب، وما نعرفه، وإنما النبي ÷ المبشر به من ولد هارون ومن ذرية داود ونحوه، فيصرفون الناس عن اتباع النبي ÷، وجمع بين الكفر والصد، وغلق الوعيد بكل واحد منهما تفحيشًا لحال اليهود وبيانًا أنهم كفروا، وحملوا غيرهم على الكفر.

  «قَدْ ضلوا ضَلَالًا بَعِيدًا» أي: جاروا عن قصد الطريق والهدْي جورًا طويلاً، وقيل: ضلوا عن الجنة ضلالاً بعيدا، حيث لا يصلون إليها أبدًا، ثم وصفهم أيضًا وآيسهم من رحمته فقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا» فجمع بين الكفر والظلم، قيل: كفروا بِاللَّهِ وظلموا محمدًا بالتكذيب، وقيل: كفروا بِاللَّهِ وظلموا بمحاربتهم عباد اللَّه، وقيل: جمع بينهما ليبين أن الوعيد يلزمهم مع الكفر على كل ذنب؛ لأن الكافر لا يكون له صغيرة وذنوبه كلها كبائر، وقيل: تفحيشًا لحالهم من جمعهم بين سائر المعاصي، وقيل: إنه على تقدير: والَّذِينَ ظلموا، فيكون الوعيد للفريقين كما قال حسان:

  فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّه مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وًينْصُرُهُ سَوَاءُ