التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما 170}

صفحة 1833 - الجزء 3

  أي ومن يمدحه. «لَمْ يَكُنِ اللَّه لِيَغْفِرَ لَهُمْ» أي: لا يغفر اللَّه للكفار أبدًا «وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقا» للنجاة «إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ» يعني لكن يهديهم طريق جهنم التي استحقوها بأعمالهم «خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرًا» قيل: لا يتعذر عليه ذلك، وقيل: لما وصف العذاب بالدوام، بين أنه لا يتعذر عليه وقوع شيء بعد شيء على جهة الدوام؛ لأنه القادر على ما لا يتناهى لا يعجزه شيء.

  · الأحكام: تدل الآية على دوام العقاب للكفار، فيبطل قول جهم، واتفق العلماء على ذلك، وعلم ذلك من دين الرسول ضرورة؛ ولذلك كَفَّرُوا جَهْمًا لمخالفته فيه، واختلفوا هل يجوز غفران الشرك عقلاً، فقال مشايخنا: يجوز ذلك عقلاً، إلا أن السمع ورد به، وقال شيخنا أبو القاسم: لا يجوز ذلك عقلاً، وورد السمع مؤكدًا، والذي يدل عليه أن العقاب حقه إليه استيفاؤه، ليس في إسقاطه إسقاط حق الغير، فجاز إسقاطه كالدَّين.

  وتدل على أن عقاب الظلم مؤبد.

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ١٧٠}

  · الإعراب: الباء في قوله: «بالحق» باء التعدية كألف «أَفْعَلَ» المنقول من «فَعَلَ» في أتيته بالكتاب، وأته الكتاب، وأصله: آته الكتاب، ومنه: جئت إلى عمرو، وأجاءني زيد إلى عمرو، وجاء بي إلى عمرو، ومنه: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ٢٣}، و {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ٤٣}.

  ويقال: بما انتصب «خيرا»؟

  قلنا: كانتصاب «انتَهُوا خَيرًا لَكُمْ» لأنك إذا أمرت بفعل دخل في معناه: انته خيرًا