قوله تعالى: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا 171}
  رشده، فالغلو لازم للفريقين، وقيل: إنه خطاب للنصارى خاصة، عن أبي علي والأصم وأبي مسلم وجماعة من المفسرين «لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ» أي: لا تجاوزوا الحق فيه «وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ» يعني لا تقولوا: له شريك أو ابن أو شبه، إنما اللَّه إله واحد فقولوا: لا إله إلا اللَّه، ليس كمثله شيء.
  ولما بَيَّنَ التوحيد بين حال المسيح فقال تعالى: «إِنَّمَا الْمَسِيحُ» يعني عيسى ابن مريم، وسمي مسيحًا قيل: مسح بالبركة، وقيل: كان يمسح الأرض مشيًا، وقد مر تفسيره «عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» يعني هو ابن مريم، لا ابن اللَّه كما تزعمه النصارى، ولا ابن أب كما تزعمه اليهود «رَسُولُ اللَّهِ» يعني أنه رسول أرسله إلى الخلق، خلاف ما يزعمه الفريقان «وَكلِمَتُهُ» قيل: سمي كلمة؛ لأنه كان بكلمة اللَّه، وهي: كن فيكون، عن الحسن وقتادة، وقيل: كلمة اللَّه بشارة اللَّه التي بشر بها مريم على لسان الملائكة، وهو قوله: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} وهذا كما يقال: ألقيت إليك كلمة حسنة، يعني: قلت، وقيل: لأنه يهتدي به الخلق، كما يهتدى بكلمة اللَّه ووحيه، عن أبي علي، وقيل: ألقى إلى مريم كلمة، ثم نقل منها عيسى كما نقل آدم من تراب، عن الأصم، ولا يصح أن يقال: إنه من نفس الكلمة خلق عيسى؛ لأن الكلام عرض لا ينقلب جسمًا، إلا أن يحمل على أنه ألقى إليها كلمة البشارة، ثم خلق عيسى كما بشر، واللَّه أعلم، «وَرُوحٌ مِنْهُ» فيه أقوال:
  الأول: بنفخة منه، يعني نفخه جبريل بأمر اللَّه، والنفخ في اللغة يسمى روحًا، كقول ذي الرمة يصف نارًا:
  فَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْهَا إِلَيْكَ وَأَحْيهَا ... بروحِكَ واقْتَتهُ لَهَا قِيَتةً قَدْرَا
  يعني: بنفخك، والنفخ إنما يصح في الأجسام، فيجوز أن يخلق منها عيسى #.