التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا 171}

صفحة 1837 - الجزء 3

  الثاني: يحيا به الناس في دينهم كما يحيون بالأرواح، عن أبي علي، ومنه يعني خلقه وجعله نبيًّا يقتدي به الخلق ويهتدي.

  الثالث: مخلوق منه خلقة، عن السدي، وقيل: إنسان أنشأه، عن أبي عبيدة.

  الرابع: روح منه، أي: رحمة، وقيل: بوحي منه، وهو أنه أوحى إلى جبريل بالنفخ، وإلى مريم بالبشارة.

  والخامس: وروح من الأرواح، وأراد الروح الذي يحيي به، أي: أحياه بروح خلقه فيه، وأضافه إلى نفسه تشريفا.

  السادس: الروح جبريل، تقديره: وكلمته ألقاها إلى مريم، وألقاها الروح، وهو جبريل بأن نفخ بأمر اللَّه تعالى.

  «فَآمِنُوا» أي: صدقوا «بِاللَّهِ» أي: بأنه واحد لا شريك له «وَرُسُلِهِ» أي: صدقوا الرسل، ولا تغلوا «وَلاَ تَقُولُوا ثَلاثَةٌ» قيل: لا تقولوا: اللَّه ثلاثة: أب وابن وروح القدس، عن أبي علي، وقيل: لا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، عن الزجاج، قيل: هذا لا يصح؛ لأن النصارى لا يقولون ذلك، وقيل: تقديره: لا تقولوا: هم ثلاثة «انتَهُوا» يعني: انتهوا أيها القائلون عما تقولون، أي: امتنعوا عن ذلك «خَيرًا لَكُمْ» يكن الانتهاء خيرًا لكم «إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ» يعني: لا إله سواه، وهو المتفرد بالإلهية «سُبْحَانَهُ» تنزيهًا له عن أن يكون له ولد «لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» خلقًا وملكًا، ومن كان كذلك، فهو متنزه عن الصاحبة والولد، غني عن كل شيء؛ لأن الولد يتخذه ذو النقص والحاجة من الأجسام، وقيل: ما في السماوات وما في الأرض عبيده وعيسى وأمه منهم، فلم تتخذونهما إلهًا «وَكفَى بِاللَّهِ وَكيلاً» قيل: يكفي تدبيره للسماء والأرض، ولا يحتاج إلى غيره حتى يدعى إلهًا ومدبرًا، كما يقال: كفى لي كذا أي: حسبي بي كذا، وقيل: كفى به حافظًا لأعمال الخلق حتى يجازيهم عليها، فهو تسلية للرسول ÷ ووعيد لهم، وقيل: كفى به كافيًا لمن توكل عليه، حثه على التوكل عليه في أمر من خالفه، فإنه يحفظه ويعصمه، عن أبي علي.