التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا 172 فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا 173}

صفحة 1839 - الجزء 3

  · اللغة: الاستنكاف: الأَنَفَةُ من الشيء، وأصله الامتناع من الشيء أنفة منه، يقال: نكفت الدمع: إذا أنحيته بأصبعك عن خدك أنفة أن يُرى أثر البكاء عليك، ثم كثر حتى قيل لكل ما نحى الدمع: نكف. قال الشاعر:

  فَبَانُوا وَلَوْلاَ مَا تَذكَّرُ مِنْهُمُ ... من الحِلْفِ لم يُنْكَفْ لِعَيْنَيْكَ مَدْمَعُ

  ودرهم منكوف: مبهرج رديء؛ لأنه يمتنع من أخذه لرداءته، واستنكفت من الأمر ونَكِفْتُ بكسر الكاف أيضًا: أنفت منه، حكاها أبو عمرو.

  والاستكبار: طلب الكبر من غير استحقاق، والتكبر يكون باستحقاق؛ فلذلك يجوز في صفة اللَّه تعالى التكبر، ولا يجوز الاستكبار.

  · النزول: روي أن وفد نجران قالوا: يا محمد، لم تسب صاحبنا؟ قال: «وَمَنْ صاحبكم»؟ قالوا: عيسى، قال: «وأي شيء أقول فيه»؟ قالوا: تقول: إنه عبد اللَّه ورسوله، فقال: «ليس بِعَارٍ بعيسى أن يكون عبدًا لله»، قالوا: بلى، فنزلت الآية.

  · الإعراب: نصب (عبدا) لأنه خبر (كان).

  · المعنى: لما تقدم الحكاية عن النصارى في أمر المسيح عقبه بالرد عليهم، فقال تعالى: «لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ» أي: لن يأنف، وقيل: لن يتكبر، وقيل: لا يمتنع أن يصف نفسه بذلك «الْمَسِيحُ»، يعني: عيسى «أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ»؛ لأن استحقاق العبودية