قوله تعالى: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا 172 فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا 173}
  بأصول النعم التي لا يقدر عليها غير اللَّه تعالى كالخلق والإحياء والرزق ونحو ذلك، وعيسى # مخلوق لله منعم عليه بجميع النعم، فاستحق عليه العبادة «وَلاَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ» أي: ولا يستنكف الملائكة أن يكونوا عبيدًا لله، فرد على مشركي العرب قولهم: إن الملائكة بنات اللَّه، وعلى من قال: إنهم آلهة كما ود على النصارى؛ لأن الملائكة في استحقاق العبودية عليهم كعيسى وسائر الخلق، و (المقربون) أراد القرب في المنزلة والرفعة لا في المكان، ثم عقب بالوعيد فقال تعالى: «وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ» أي: يأنف عن الإقرار بالعبودية، «وَيَسْتَكبِرْ» عن الإذعان بالطاعة «فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ» أي: يبعثهم ويجمعهم «إِلَيهِ» أي: إلى حكمه يوم القيامة «جَمِيعًا» يعني الجاحد والمقر «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا» يعني بِاللَّهِ وبرسله، وجميع ما يلزم الإيمان به «وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» أي: الطاعات «فَيُوَفِّيهِ» أي: يعطيهم تامًّا وافيًا «أُجُورَهُمْ» جزاء أعمالهم «وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» زيادة تعم على ما استحقوه: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت «وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا» عن الإقرار بالعبودية «وَاسْتَكْبَرُوْا» عن العبادة والخضوع.
  ومتى قيل: لم كرر الوعيد؟
  فجوابنا: لاختلاف الموعود له، وقيل: لأنه عم الوعد والوعيد.
  «فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» وجيعًا «وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِن دُونِ اللَّهِ» أي: سواه ينجيهم من عذابه «وَلِيًّا» أي: عن يلى أمرهم في الدفع عنه «وَلاَ نَصِيرًا» معينًا يعينه للدفع.
  · الأحكام: تدل الآية على أن الملائكة أفضل من الأنبياء؛ لأن قوله: «لَنْ يَسْتَنكِفَ» وقوله: «وَلاَ الْمَلَاِئكةُ» يقتضي ذلك؛ لأنه لا يقال: لا يستنكف الأمير أن يزورني ولا الحاجب، بل يقال: لا يستنكف الحاجب ولا الأمير، وإذا ثبت ذلك في عيسى ثبت في سائر الأنبياء، وقد اختلفوا في هذه المسألة، فمشايخنا اتفقوا أن الملائكة أفضل، وقال جماعة: الأنبياء كلهم أفضل، وقالت الإمامية: الأنبياء والأئمة أفضل منهم، وقال بعضهم: بنو آدم المؤمنون منهم أفضل من الملائكة، ومنهم من مال إلى التوقف، ومنهم من فضل نبينا ÷.