التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون 6}

صفحة 1888 - الجزء 3

  · الأحكام: في الآية أحكام عقلية وأحكام شرعية نشير إلى جملها فتفصيلها يطول:

  أما الأحكام العقلية:

  فمنها: أن الآية تدل على أنه تعالى لا يريد من المرء أن يتطهر ويغتسل مع الخوف على النفس؛ لما في ذلك من المشقة والضير؛ لذلك رخص للمريض والمسافر، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في تكليف ما لا يطاق، وفي الاستطاعة والمخلوق والإرادة؛ لأنه إذا لم يرد هذا القدر من المشقة فكيف يريد أن يكلفه ما لا يقدر عليه أو يخلق فيه الكفر، أو يريد ليدخله النار أبد الأبد، تعالى اللَّه عن ذلك، فيبطل قول من يقول: إنه مع المرض يلزمه الغسل؛ لأن فيه أعظم الضرر والحرج.

  ومنها: أنها تدل على أن العبد فاعل حتى يشق عليه فعل، ويسهل فعل، فلو كان من خلقه تعالى لما اختلف ذلك.

  ومنها أنه مَنَّ علينا بأنه لم يرد الحرج والضير، فكيف يتوهم أنه يريد الكفر أو يخلقه.

  ومنها أنه أمر ونهى، ولو كان خلقًا لنا لما صح ذلك.

  ومنها: أنه يريد التطهير، والتطهير قد يكون بالماء، وقد يكون بالتوبة، فوجب أن يريدها، وعندهم لا يريد ذلك من الكل، وإذا أراد التطهير من الذنوب فكيف يريد الذنوب؟

  ومنها: أنه يريد الشكر؛ لأن قوله: «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» يدل عليه، فيبطل قولهم في الإرادة فأما الأحكام الشرعية:

  فمنها: أحكام الوضوء وما يجب منه وصفته.