التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2 الرحمن الرحيم 3}

صفحة 207 - الجزء 1

  قيل: الأوصاف الجميلة والثناء الحسن كلها للذي يحق له العبادة؛ لكونه قادرًا على أصول النعم، وفاعلاً لها، ولكونه منشئًا للخلق، ومالكًا لهم، رحيمًا بهم.

  ومتى قيل: لم أعاد ذكر الرحمن الرحيم؟

  قلنا: قيل: لأن الأول ليس من السورة، وقيل: الأول للاستعانة، والثاني ليجعل الحمد كله له، وقيل: للمبالغة، وقيل: في الأول ذَكَرَ العبودية، ووصله بذكر النعم التي يستحق بها العبادة، وههنا ذكر الحمد، فذكر ما به يستحق الحمد من النعم، وليس فيه تكرار، عن علي بن عيسى.

  · الأحكام: الآية تدل على وجوب الحمد لله، والشكر على نعمه، وفيه تعليم منه لعباده كيف يحمدونه.

  ومتى قيل: كيف يؤدي شكر نعمه، وهو بأدائه يتجدد عليه نِعَمٌ لا تحصى من إعطائه القدرة، والآلة، والحياة، والعقل، والهداية؟

  قلنا: إذا أتى بما في وسعه فقد أدى حق الشكر، ولأن شكره يتناول النعم الماضية والآتية، ولأنه يعلم النعم على الجملة فيلزمه الشكر كذلك.

  فإن قيل: فما الشكر؟

  قلنا: يكون بالقول، وبغير القول، ولذلك قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} فبالقول إظهار النعمة، وبالقول يعظم المنعم، وبالفعل طاعة المنعم.

  ومتى قيل: فهل غير اللَّه يشكر؟

  قلنا: نعم؛ لأنه منعم، و [منه]، قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} إلا أن شيئًا من ذلك لا يكون إلا بنعمته تعالى من حيث إنه الخالق والمالك، وهو الذي