التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون 32}

صفحة 1939 - الجزء 3

  وتدل على أن الندم إذا لم يكن على الوجوه المشروعة لا يكون توبة، ولا يسقط عقاب الذنب.

  وتدل على أن الإقبار والدفن تفضل من اللَّه تعالى حتى لا يصير الميت سوءة.

  وتدل على أن أفعال العباد حادثة من جهتهم، وإلا لم يصح قوله: «أعجزت» وقوله: «مِنَ النَّادِمِينَ».

  القصة

  قيل: لما قتل قابيلُ هابيلَ، وتركه بالعراء، ولم يدر ما يصنع به، حمله في جراب لا يدري ما يصنع، فبعث اللَّه غرابًا، وكان مدة حمله له سنة، ثم رأى غرابين قتل أحدهما صاحبه، ثم دفنه تحت الأرض، فتعلم منه، ودفن أخاه، عن ابن عباس.

  وعن سالم بن أبي جعد: مكث آدم بعد قتله مائة سنة حزينًا لا يضحك، ثم أتي فقيل له: حياك اللَّه وبياك، أي: أضحكك، وولدت حواء بعد قتل هابيل بخمس سنين شيث، ومعناه هبة اللَّه، وبعثه اللَّه نبيًّا، وكان وصي آدم، وذهب قابيل طريدًا إلى اليمن، وأتاه إبليس، فقال: إنما أكلت النار قربان هابيل؛ لأنه عبد النار، فانصب نارًا تكون لك ولعقبك، فأجاب، وكان أول من عبد النار، واتخذ أولاده آلات اللَّهو، وانهمكوا في الشرب وعبادة النار والفواحش حتى أغرقهم اللَّه بالطوفان، وبقي نسل شيث.

قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ٣٢}