قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم 33 إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم 34}
  وتدل على النفي، وقد بينا ما قيل فيه.
  وتدل على الصلب واختلفوا فقيل: يصلب حَيًّا ثم يقتل عن أبي يوسف، وهو الصحيح من مذهب أصحابنا، وحكى الطحاوي عنهم أنه يصلب بعد القتل.
  وتدل على أن التوبة قبل القدرة تسقط الحد، والاستثناء يحتمل أن يرجع إلى العذاب والحد، ويحتمل أن يرجع إلى الحد.
  وتدل على أنه لا يسقط الحد بعد القدرة؛ لأنها لا تكشف عن موافقة الباطن للظاهر، ولهذا قال كثير من العلماء: إن توبة الزنديق والمرتدين لا تقبل، ولا شبهة أن الكافر إذا أسلم تسقط عنه، وإنما الخلاف في المسلم في هذا الحد وغيره، فأما ما يسقط بالتوبة من الحدود، وما لا يسقط، فقيل: لا يسقط شيء من الحدود بالتوبة إلا حد قاطع الطريق، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقيل: كل حد هو حق لله تعالى خاصة يسقط بالتوبة، وما فيه حق لآدمي لا يسقط، وهو قول الشافعي، وقيل: يسقط كله عن الليث بن سعد والأوزاعي، وقيل: يسقط كله إلا الدم إذا طالب به وليه عن مالك، وفي المحارب يسقط إذا تاب قبل القدرة بالاتفاق، والسارق لا يسقط عنه القطع لا بالتوبة ولا بالعفو، وهل يجب رد المال مع الحد؟ قال: إذا كان باقيًا بعينه رد بالاتفاق، وإن لم يكن باقيًا بعينه فلا يجب الضمان عند أبي حنيفة، وعند الشافعي، قال أبو مسلم: يجب رد المال والخروج عن عهدة الدم لتتم توبته، وروي عن علي أنه أسقط الحد عن حارثة بن زيد، وكان خرج محاربًا، فجاء به سعيد بن قيس إلى علي تائبًا، فقبل توبته، وحكم بذلك أبو موسى في رجل من مراد جاء تائبًا، وحكم أبو هريرة في علي الأسدي خرج محاربًا، فسمع قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} فجاء تائبًا إلى أبي هريرة زمن معاوية، فجاء به إلى مروان وقبل توبته.