قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم 33 إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم 34}
  وتدل على أن ذلك الفعل حادث من جهتهم؛ إذ لو كان خلقًا لله تعالى لكان هو أولى به، وبما يشتق منه من الأسماء، تعالى اللَّه عن ذلك.
  وتدل على أن العقوبات على الأفعال.
  وتدل على أن الحد لا يُسْقِطُ عقوبة الآخرة، وليس بكفارة؛ لأنه تعالى ضم ذلك إلى الحد، عن أبي علي.
  وتدل على أن للتوبة تأثيرًا في إزالة العقوبة، ولا شبهة أن عقوبات الآخرة تزول بالتوبة إذا أتي بها على وجهها، سواء كان قبل القدرة أو بعدها، وإنما الخلاف في أحكام الدنيا.
  وتدل على أن الحد يقام على التائب كما يقام على المصر، ولا بد من فصل بينهما فما يقام على المصر يكون عقوبة معجلة، وأن فيه مصلحة لهم أو لغيرهم، وأما في التائب فامتحان ومصلحة تجري مجرى الأمراض النازلة بهم.
  فأمَّا الأحكام الشرعية: فتضمن حد قاطع الطريق، والأصح أن الآية نزلت فيهم.
  وتدل على تغليظ حد قاطع الطريق، وعلى حد السرقة؛ لأن تلك المعصية أعظم، ومضرتها أكثر.
  وتدل على أن الحد يجري على المسلم والكافر لعموم اللفظ، ولا يقال: إنها نزلت في الكفار؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
  وتدل على حدود فيهم، فالذي عليه مشايخنا أنه على الترتيب، فمن أخاف الطريق فقط نفي، ومن أخذ المال فقط قطعت يده ورجله، ومن قتل ولم يأخذ المال قتل، ومن قتل وأخذ المال فالإمام مخير فيه: إن شاء قطع يده ورجله وصلبه، وإن شاء لم يصلبه، وروي عن أبي يوسف أنه يصلب، وقال محمد: لا يقطع، ولكن يقتل، وقال مالك: الإمام بالخيار على ما ذكرنا.