التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم 54}

صفحة 2001 - الجزء 3

  وتدل على أن عند ارتدادهم ينتصب قوم من المؤمنين لمحاربتهم أبدًا، فتدل على علو الإسلام، وظهوره.

  وتدل على أنهم - بلطفه - قاموا بنصرة دينه، وبنصرته غلبوا الكفار؛ لذلك خصهم بفضله.

  وتدل على عظيم منزلة أبي بكر ومن معه ممن حارب المرتدين بعد النبي ÷ وأنه كان مصيبا في حربهم، خلاف ما قاله بعضهم.

  وتدل على صحة إمامته من حيث مدحه، ومدح من حارب معه، قال أبو علي: ولا يجوز أن يكون المراد من كان في عصره ÷؛ لأنه أخبر عنه بالاستقبال، وقال: «فَسَوْفَ يَأْتِي»، وروي أنه ارتد على عهد رسول اللَّه ÷ ثلاثة نفر من اليمن فقتلوا، وارتد زمن أبي بكر بنو حنيفة، وتبعوا مسيلمة، فقاتلهم أبو بكر، وارتد طليحة في بني أسد، فقاتلهم أبو بكر، ثم أسلم طليحة، وحسن إسلامه، وكثر المرتدون على عهد أبي بكر، وارتد على عهدهم جَبَلَةُ بن الأيهم الغساني، ولحق بالروم.

  وتدل على عظيم منزلة من جاهد مَنْ خالف المسلمين من الكفار والبغاة، فيدخل في الآية أبو بكر وعمر وأمير المؤمنين؛ لأنه حارب المارقين والقاسطين.

  وتدل على فضل التواضع للمؤمنين، والتشدد على مخالفي الإسلام.

  وتدل على وجوب المجاهدة مع المؤمنين، وهذا فيمن لهم فئة، وكذلك البغاة والخوارج.

  وتدل على وجوب التمسك بالحق، وإن لام لائم من الجهال.

  وتدل على معجزة للنبي ÷ حيث أخبر عن ارتداد قوم بعده، وقيام قوم بجهادهم والظفر عليهم، فكان كما قال.