قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم 54}
  إلى الكفر فلن يضر اللَّه شيئًا «فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ» بدلاً منهم لم يبدلوا ولم يرتدوا، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه، وأن منهم من قال هم أبو بكر وأصحابه، ومنهم من قال الأنصار، ومنهم من قال اليمن، ومنهم من قال فارس، ولا تنافي في ذلك، فوجب حمله على الجميع، وقيل: هذا وعيد من اللَّه لمن علم أنه يرتد بعد النبي ÷، ووعد المؤمِنِينَ بالنصر «يُحِبُّهُمْ» اللَّه «وَيُحِبُّونَهُ»، فحب اللَّه لهم إرادة إكرامهم، ومحبتهم له إرادة أن يشكروه ويعبدوه ويطيعوه «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» قيل:
  أهل لين ورأفة على أهل دينهم من المؤمنين يعظمونهم ويوقرونهم، رحماء بينهم «أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ» قيل: أهل جفاء وغلظة على من يخالفهم من الكفار، وقيل: يعادونهم أي يغالبونهم من قولهم: عزه يعزه: إذا غلبه، كأنهم يشددون عليهم بالقهر والغلبة «يُجَاهدونَ» يعني يجتهدون في قتال أعداء اللَّه «فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، أي في ظهور دينه «وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ» يعني لا يصدهم عن الجهاد لومة لائم؛ لأنهم مع علمهم برضا اللَّه عنهم لا يبالون أرَضِيَ غيره أم سخط، وقيل: لا يخافون ملامة أحد في بذلهم أنفسهم في طاعة اللَّه «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ» أي هذه المناقب نالوها بفضل اللَّه ولطفه وهدايته، وقيل: ذلك الجهاد فضل اللَّه؛ لأنه يأمر به وينصر فيه، عن أبي مسلم، وقيل: ذلك النصر والظفر بعد النبي ÷ على من ارتد فضل اللَّه خصهم به «يُؤْتِيهِ» يعطيه «مَنْ يَشَاءُ» من يعلم أنه محل له «وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» قيل: جواد يعطي كثيرًا، عليم يعطي كما تقتضي المصلحة، وقيل: واسع الرحمة، عليم بمن يستحق ذلك، ولمن يحب أن يعطيه، وقيل: كثير العطاء، عليم بمن يشكر نعمته، ومن لا يشكر.
  · الأحكام: تدل الآية على أنَّ مِنَ المؤمنين من يرتد خلاف ما قاله بعضهم.