التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 78 كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون 79 ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون 80 ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون 81}

صفحة 2050 - الجزء 3

  قدمت علماؤهم من العمل الذي سخط اللَّه به عليهم عن الأصم «وَفِي الْعَذَابِ هُم خَالِدُونَ» أي في عذاب جهنم دائمون لا ينقطع، «وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالَنَّبِيِّ» وقيل: هم المنافقون من اليهود عن الحسن ومجاهد؛ يعني لو صدقوا بِاللَّهِ والنبي محمد ÷ على الحقيقة كما يظهرون «وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ» القرآن، وقيل: بالنبي موسى وما أنزل إليه التوراة عن الأصم «مَا اتَّخَذُوهُمْ» يعني الكافرين «أَوْلِيَاءَ» وقيل: هذه موالاة التناصر والمعاونة على معاداة النبي ÷ ومحاربته، ويجوز أن يكون على الموالاة في الحقيقة «وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ» يعني من اليهود والنصارى «فَاسِقُونَ» خارجون عن أمر اللَّه، وإنما قال: «منهم»؛ لأن بعضهم آمن.

  · الأحكام: تدل الآية على أنهم لعنوا، وأنهم استوجبوا ذلك بفعلهم، فيبطل قول من يقول: إن الثواب والعقاب لا يُسْتَحَقُّ على الأعمال، وأنه يجوز أن يبتدئ بذلك.

  وتدل على أن ذلك اللعن كان على لسان داود وعيسى، وقد اختلفوا فيه، فقيل: إن قوم داود هم أهل أيلة لما اعتدوا في السبت بأخذ الحيتان على ما قص اللَّه تعالى في سورة الأعراف، قال داود #: (اللَّهم العنهم واجعلهم آية)، فمسخوا، وقيل: إن داود وعيسى بشرا بمحمد ÷ ولَعَنَا من يكذبه، عن الأصم، وقيل: إن داود بلغه أن قومًا يجتمعون على منكر فأتاهم ليعظهم فقالوا: إنا قردة لسنا نفهم ما تقول، قال: (كونوا قردة)، فمسخهم اللَّه، عن الأصم، فأما أصحاب عيسى فإن طائفة من اليهود أولعوا به بعد موت أمه يتبعونه ويرمونه، فدعا عليهم بالمسخ، فمسخوا خنازير، وقيل: المسخ كان على مَنْ كفر بعد نزول (المائدة).

  وتدل الآية على أن ترك النهي عن المنكر من الكبائر، فتدل على وجوبه وعظم تركه.