قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون 82 وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين 83 وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين 84 فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين 85 والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم 86}
  رسول اللَّه ÷ بالهجرة إلى الحبشة وملكهم النجاشي فخرجوا سِرًّا، وأول من خرج عثمان بن عفان معه رقية بنت رسول اللَّه ÷ وذلك في رجب في السنة الخامسة من المبعث، وفيمن خرج جعفر بن أبي طالب، ثم تتابع الناس وعلمت قريش بذلك، فبعثوا عمرو بن العاص وفاكهة بن المغيرة بالهدايا ليردهم إليهم، فلم يردهم ودعاهم ودعا القسيسين، فقرأ جعفر القرآن، فآمن النجاشي وجماعة، ورجع عمرو خائبًا، ثم أقام هناك جماعة، ورجع بعضهم حتى هاجر رسول اللَّه ÷ ومضت سنون، ثم زوج النجاشي أم حبيبة من النبي ÷ واسمها رملة بأربعمائة دينار، ونقدها من ماله، وبعث بها إلى النبي ÷ فأجاز النكاح، ورجع جعفر يوم فتح خيبر.
  وقيل: هم قوم من الحبشة قدموا على رسول اللَّه ÷ قدمتين قدمة بمكة وقدمة بالمدينة، عن الأصم.
  · المعنى: لما تقدم من اليهود موالاتهم الكفار، بيّن أنهم مع ذلك يعادون المسلمين توبيخًا لهم، وتهجينًا لفعلهم، فقال سبحانه: «لَتَجِدَنَّ» يا محمد، أو لتجدن أيها السامع من المؤمنين «أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا» يعني مشركي العرب لمظاهرتهم اليهود على معاداة النبي ÷، عن الأصم وأبي علي «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا» أي مودة للمؤمنين بمحمد ÷ «الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى» فيه قولان:
  الأول: أنهم الَّذِينَ آمنوا منهم، عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة والأصم، ثم اختلفوا، فقيل: إنهم وفد النجاشي، قدموا مع جعفر بن أبي طالب، وكانوا سبعين، وقيل: أربعين رَجُلاً، عن مقاتل، وقيل: ثمانين، عن عطاء، وقيل: هم ناس من أهل الكتاب، عن قتادة.